( 176 ) مدار الأفكار
إشراق الاتفاق
يقول الشاعر العربي:
حزت نصرا يا كويت العرب= وتسامى شعبك الحر الأبي
وسمت أعلامنـا خفاقـة= فوق هامات النجوم الشهب
في حياة الشعوب والأوطان أيام خالدة في الأذهان، وراسخة في القلوب والوجدان، وتظل تذكرها الأجيال ما
بقيت الحياة، لما لها من دور في تغيير وجه التاريخ، وبناء المستقبل المشرق، ومن بينها يوم التاسع عشر من
حزيران (يونيو) عام 1961، الذي يحتل موقعا مميزا وعلامة مضيئة في تاريخ الكويت، وسيظل خالدا في
ذاكرة الشعب الكويتي إلى الأبد، حيث يعتبر هو التاريخ الحقيقي لاستقلال الكويت عن بريطانيا ودخولها
مرحلة جديدة من تاريخها، لتطل من خلالها على أفق العالم المستقل ولتساهم في صنع السلام وحضارة
الإنسان، ففي ذلك اليوم وقع الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح الحاكم الـ 11 للكويت وثيقة
الاستقلال مع السير جورج ميدلتن المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي نيابة عن حكومته، وإلغاء
الاتفاقية التي وقعها الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت مع بريطانيا في 23 يناير عام 1899 لحمايتها
من الأطماع الخارجية، واستقلال الكويت ليس وليد الاتفاق الذي جرى بتبادل مذكرات مع الحكومة
البريطانية، بل هو حقيقة تكونت على مر السنين وتوالي الأحداث، وصنعتها التصرفات الحكيمة التي رسمها
حكام الكويت، وبمناسبة الاستقلال ألقى الشيخ عبد الله السالم، الذي امتدت فترة حكمه من عام 1950 إلى عام
1965 كلمة قال فيها: «ونحن على أبواب عهد جديد نرجو أن تبدأ الكويت انطلاقها بتقوية أواصر الصداقة
والأخوة مع شقيقاتها الدول العربية للعمل بتكاتف وتآزر على ما فيه خير العرب وتحقيق أماني الأمة
العربية، كما أن الوضع الجديد يتطلب منا العمل على الانتماء للجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة وغيرهما
من المنظمات التي تعمل لخير العالم وأمنه وسلامه كلما كان ذلك في الإمكان». وعمل الشيخ عبد الله السالم
- رحمه الله - حال إلغاء معاهدة الحماية وإعلان الاستقلال على استكمال قيام المؤسسات الدستورية
والحكومية فلم يمض شهران على توقيع معاهدة الاستقلال حتى كانت الخطوة الأولى التي جاءت في 26
أغسطس عام 1961 بصدور مرسوم أميري يدعو إلى إجراء انتخابات عامة لمجلس تأسيسي يتولى عند تأليفه
إعداد دستور للبلاد، وبعد إجراء انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي عقدت أولى جلساته في 20 يناير 1962
وخلال تسعة أشهر أنجز المجلس مشروع دستور دولة الكويت الذي يتكون من 183 مادة وقدمه إلى سمو
الشيخ عبد الله السالم الذي صادق عليه وأصدره في 11 نوفمبر 1962.
وكان استقلال الكويت بداية مرحلة جديدة لدخولها ضمن بلدان المجتمع الدولي وفق سياسة كويتية خاصة
أركانها السعي إلى السلام وتحقيق التعاون مع مختلف دول العالم ضمن إطار علاقات الأخوة والصداقة بين
الدول والشعوب، وهذا ما أكده الشيخ عبد الله السالم في الذكرى الأولى للاستقلال بتاريخ 19 يونيو عام
1962 بقوله: «إن دولة الكويت كلها عزيمة ومضي في السير قدما نحو بناء هذا الوطن، وهي تتابع سيرها
دولة عربية مستقلة متعاونة متضامنة مع شقيقاتها العربيات في جامعة الدول العربية، محافظة على استقلالها
تحميه بالنفس والنفيس، مؤمنة بحق الشعوب في الحرية والاستقلال، محبة للسلام ساعية إلى تدعيمه منتهجة
سياسة عدم الانحياز وساعية إلى توطيد روابط الصداقة ومتمسكة بميثاق الأمم المتحدة وشريعة حقوق
الإنسان»، وقدمت الكويت بعد استقلالها طلبا لعضوية جامعة الدول العربية حيث عقد مجلس الجامعة اجتماعا
بتاريخ 16 يوليو عام 1961وأصدر قرارا بقبولها عضوا إلى جانب شقيقاتها الدول العربية ، وكانت الكويت
ولا تزال جزءا من الوطن العربي، وهي بذلك تفخر بالانتماء إليه حيث وقفت على امتداد التاريخ العربي
تناصر القضايا العربية بالرجال والمال والسلاح وبكل وسيلة توفرت لها، وتطلبت مرحلة الاستقلال تحمل
الكويت مسؤولياتها في السياسة الخارجية بإنشاء وزارة الخارجية لتقوم بدورها المناط بها فصدر في 19
أغسطس عام 1961 مرسوم أميري يقضي بإنشاء دائرة للخارجية تختص دون غيرها بالقيام بالشؤون
الخارجية للدولة والتي تحولت في أول تشكيل وزاري بتاريخ 17 يناير عام 1962 إلى وزارة الخارجية، وفى
مايو عام 1963 تمت الموافقة على انضمام الكويت إلى عضوية الأمم المتحدة لتصبح العضو الـ 111، وفي
عام 1963 صدر مرسوم بدمج اليوم الوطني بذكرى تسلم الشيخ عبد الله السالم الصباح مقاليد الحكم في 25
فبراير عام 1950 ليصبح يوم الجلوس هو اليوم الوطني للبلاد، ومنذ فجر الاستقلال وشمس حزيران تسمو
بنا لفضاء الاستقلال والعطاء، والحرية والبناء، وعلى مدى 49 عاما أنجزت الكويت كثيرا على طريق
النهضة الشاملة بتعاون أبنائها خلف قيادة سمو أمير البلاد المفدى وسمو ولي عهده الأمين وسمو رئيس مجلس
الوزراء حفظهم الله ورعاهم.
تسعة عشر من شهر ستة حزيران= يومٍ لنا مشهـود بيـن البلاديـن
في موجبه تمت مواثيق وإعـلان= لعهد ٍ جديد ٍ بالوطن يبهج العيـن