( 237 ) مدار الأفكار
إخفاء الملحاء
يقول الشاعر العربي :
رأيت منافقا يحمي خبيثا = وكلٌ منهما للظلم يسعى
قد اتفقا ولكن في فساد = كعقربٍ راكبٌ للشر أفعى
قبل أن يسود الأمن والاستقرار ربوع جزيرة العرب والتي تم توحيد مناطقها وأجزاءها,ولمّ شملها تحت راية
التوحيد في كيان واحد عرف باسم ( المملكة العربية السعودية ) وذلك عام 1932م على يد المليك المؤسس
عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله وطيب ثراه,ففي زمن الخوف والفوضى والاضطراب
وانتشار القتل وهجمات الحَنْشل وهم مجموعة من قطاع الطرق،وواحدهم حنشولي،فقد تمكن أحدهم من السطو
على أحد الأحياء, وقام بسرقة ناقة ملحاء والتي تعد من أكبر الإبل حجما وغزارة في إنتاج الحليب,وبعيدا عن
تعريف عرّاب شاعر المليون الدكتور غسان الحسن القائل بأن (الملحاء هي الناقة البيضاء التي تشبه الملح ),
فإن النحوي المعروف عبد الملك الأصمعي يقول: (الأملح هوالأبلق بسواد وبياض والصفة أملح والأنثى ملحاء)
,والإبل المجاهيم أوالملح و(مفردها ملحاء ) كما يعرفها أربابها من أبناء البادية هي ذات اللون الأسود,
ويتفرع منها( الصهب والصفر والزرق) كما يطلق عليها الإبل النجدية,وهي أشهر أنواع الإبل وتحتل المرتبة
الأولى في المملكة من حيث العدد وإنتاج اللبن ,واشتهرت بها المنطقة الجنوبية خاصة الربع الخالي ,وأفضلها
لدى قبائل قحطان و الدواسر والمرّة ، وكما يقول الشاعر جعفر بن جمل بن شري : (البل تراها السود لو قال
من حكا* من زينها تعالى أسعارها ,لا دبرت كنها من الليل قطعة * فجح مواخرها كبار عمارها) ,ويقول
الشاعر غالي الذايدي : ( سفينة الصحراء ومعها زهابه* ماها ومرعاها بختري وحوذان ,وضحا وملحا في
رقبته صهابه*وشعلٍ وصفر وشقح در ٍ و مرجان ) ,ويقول الشاعرعايد بن رغيان الوردة الشراري:
(وأكرمهن الملحاء اذا شانت السنة*تعيش منها سربة يحلبونها),ولأن الملحاء من أكرم الإبل وأغزرهن لبناً فقد
تشبث بها الحنشولي الذي قام بسرقتها, وحاول الإنكار وخداع وتضليل صاحبها الذي تتبع أثرها حتى وصلت
مضارب القبيلة مما دفع صاحب الناقة والحنشولي للتقاضي أمام عارفة القبيلة,وهو القاضي ذو السلطة
الواسعة والكلمة المسموعة في القبيلة,ويستمد حكمه من خلال تجاربه ومعارفه وتعامله مع الوقائع السابقة
المماثلة,ويحكم في القضايا العامة وفق العرف القبلي وأحكامه واجبة التنفيذ الفوري,وإمعانا في التدليس
وطمس الحقائق وإبعاد العين المسروقة عمد الحنشولي السارق إلى تقييد الناقة و توثيقها بالعقال,وهو الحبل
الذي تشد به ذراع البعير ,ثم قام بإخفائها خلف بطين قريب من البيوت ,والبطين هو المرتفع من الأرض,
وفي لغز الأثافي تقول العرب: ( ثلاثة في البطين لهن رطين ) ,وأثناء التداول واستماع العارفة للحجج
وتفنيدها للتأكد من صحتها وإذا بالناقة الملحاء وبحجمها الضخم تشرف من رأس البطين داحضة كل حجج
المراوغة التي اتبعها السارق حيث نفى أي وجود لناقة بذات الوصف في مضارب القبيلة,ولكن الله كشف أمره
وخيب سعيه وأظهر كذبه أمام الجميع ,فحكم القاضي على الفور بإقامة الحد على السارق ومنح الحق لصاحب
الناقة الذي رحل مزهوا بالفوز وكسب الرهان بين أبناء قبيلة خصمه,إلا أن ذلك الحكم أساء بعض الحضور
من أقارب الحنشولي فقاموا بتوجيه سهام العتب واللوم إلى العارفة لموقفه المخالف لقوانين القبلية القائمة على
العصبية المتمثلة في نصرة القريب على الغريب وإن كان صاحب حق,فقال العارفة قولته المشهورة: ( ملحاء
وفي بطين )أي لا يمكن إخفاؤها والتستر عليها, وأصبح المثل يضرب لوضوح الحجة وكمالها واستحالة
التعتيم عليها وإخفاء آثارها,ولقد تذكرت وقائع هذه الحادثة عندما وجدت أن البعض وللأسف الشديد يدافع عن
جرائم إيران في الخليج ويحاول إخفاء الحقائق وهي واضحة وضوح الشمس وبالصور والوثائق,ويسعى جمع
من أتباع المجوس لتبرير عملها الإجرامي ونفي أن يكون لها شبكة تجسس في الكويت أو دور في أحداث
البحرين,بالرغم من أن الملحاء أصبحت برأس البطين,وتبينت لكل ذي لبّ وعين ,وكما يقول نائب رئيس
مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ الدكتور محمد الصباح : ( إن تورط إيران في قضية شبكة التجسس لم
يعد مجرد اتهام بل حقيقة فبعدما نطق القضاء رفعت الأقلام وقضي الأمر),نسأل الله العلي العظيم أن يحفظ
الكويت من كل مكروه ,وأن يديم عليها وعلى سائر دول مجلس التعاون الخليجي نعيم الأمان والرخاء
والاستقرار.
وش عاد لو تجحد وتكثر بالأعذار = ما هو خفي للناس كذّبك وتزوير
جندت جنسك للتجسس بالأقطار = والله كشف توابعك والمغارير
تبينت ما بين الأمصار الأخطار = و( ملحا البطين ) تبين دون المناظير