(234 ) مدار الأفكار
ميزان الرجولة
يقول الشاعر العربي :
لا تمدحن امرءا حتى تجربه=ولا تذمنه من غير تجريب
إن الرجال صناديق مقفلة = وما مفاتيحها إلا التجاريب
إن الرجولة نعت يمس النفس والخلق والروح,وهي صفة أساسية,وفضيلة جوهرية,ومطلب يسعى للتجمل
بخصائصها أصحاب الهمم العالية،والعزائم الصادقة,ويسمو بمعانيها أفذاذ الرجال ,وقد اتفق العقلاء على
مدحها والثناء عليها,ويقصد بالرّجُلُ كما جاء في لسان العرب لابن منظور الذكر من نوع الإنسان خلاف
المرأة,وقيل مأخوذ من القوة ,وجمعها رجال وجمع الجمع رجالات,ويقول الراغب:الرجل مختص بالذكر من
الناس,و يقول الشيخ عبد الباري الثبيتي: (إن كلمة رجل تدل بأصل وضعها في اللغة على طائفة كبيرة من
المعاني غير الذكورة المقابلة للأنوثة في بني الإنسان وعند ورودها في القرآن تضيف مع دلالتها على النوع
معاني أخرى تسمو بالنوع إلى السمو والامتياز) ،وقد ورد ذكرها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم,قال
الحق سبحانه وتعالى: (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاء الزكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ )(النور: 37) ,وقال تعالى: (ولو جعلنه ملكاً لجعلنه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون)
(الأنعام:9) ,وقد كان النبي يتطلع إلى الرجولة التي تناصره وتعتز بها دعوته،ويسألها ربه فيقول: (اللهم أعز
الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك،بأبي جهل أوبعمربن الخطاب) ،وفي معنى الرجولة يقول الفضيل بن عياض
: ( هي الصفح عن عثرات الإخوان) ,ويقول الإمام أحمد بن حنبل: (الرجولة ترك ما تهوى لما تخشى) ,ويقول
سهل بن عبد الله: ( هي إتباع السنة ),ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها)
,ويرى الحافظ بن حجر بأن الرجولة تعني بذل الوسع في العطاء البدني والمالي مهما كان حالك, فلا تحتجب
ممن قصدك في خير,ويعرفها الإمام ابن القيم بأنها( إظهار النعمة وإخفاء المحنة) , فالرجولة الحقة تعني القوة
والمروءة, والشجاعة والكمال,و تُرسَّخ بعقيدة قوية، وتهذَّب بتربية صحيحة،وتنمَّى بقدوة حسنة,وميزانها في
شريعة الإسلام يتضح من خلال الشهامة,والتعاون والتضامن ,والأعمال الفاضلة والأخلاق الحسنة,والآراء
السديدة,وتتجلى الرجولة بتحمل الأعباء الثقال والثبات على الحق والصدق بالعهد والوفاء بالوعد,ومن أعلى
صفاتها الإيمان بالله والخوف من عذاب الله والصدق معه: قال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله
والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون رنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا
من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)(النساء: 75) , وتعد الإرادة وضبط النفس ,والنخوة والوفاء,والعزة
والإباء ,وعلو الهمة والتطلع للقمة من أهم مقومات الرجولة والتي تساهم في نشر الفضيلة ودحض الرذيلة,
وصيانة الأعراض وحفظ الأموال, وتورث الحب وتثمر الصدق والثبات على الحق,وتمنح الثقة والاطمئنان
,وتبث الأمان وترهب المفسدين والمرجفين ) , فالرجولة مضمون وجوهر قبل أن تكون منظرا ومظهر , وكما
يقول الدكتور محمد أحمد جميعان : ( إن مفاهيم الرجولة وقيم الرجال عندما تسود تعني التضحية من أجل
الأخر في سبيل أهداف سامية عليا ،تخلق التكامل والتكافل والتضامن في المجتمع وتساهم في حل الكثير من
المعضلات والقضايا و هموم الأمة والوطن ومؤسساته ، تصغر معه المسافات بين شرائح المجتمع وتعظم في
أعين أبنائه العزة والرفعة والبناء والإنتاج وتهون معها صغائر الأمور التي قد تعظم في عين الآخرين، سيما
أن الرجولة لا تعرف الجنس ولا العرق ولا تعترف بهيكل الجسم وتراكيبه البيولوجية والفسيولوجية بل تسكن
نفس من يعشقها وينتشي بها من أي عرق كان ما دامت النخوة والشهامة هما المنهج ،والصدق والثبات هما
العنوان والجوهر وصدق الله العظيم حين قال: ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من
قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) ( الأحزاب :23 ) ,وتقول العرب في المفاضلة بين الاثنين
وتفوُّق أحدهما على الآخر:أرجل الرجلين، وفي ختام المباهاة بالشرف والثناء تقول:هو من رجالات قومه
وللدلالة على القدرة والتصدي للأحداث يقال رجل الساعة،وممن يصدق فيه هذا القول خادم الحرمين
الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية الشقيقة حفظه والله ورعاه الذي ساهم
في نبذ الخلافات ووأد كثير من الفتن ,وجسد عظيم المواقف في سبيل توحيد الصف العربي و خدمة قضايا
الأمة العربية والإسلامية .
ترى المراجل في عظيمات الأفعال= وفي منهج التوحيد بالفعل والقول
لا هنت يا اللي كل ما قلت فعّال = وتسعى بسبيل الخير بالعرض والطول
كفك بديم وغيث الإحسان همال = وعلى التواضع رغم هيبتك مجبول