اود في هذا الموضوع ان اتكلم عن ملك اشتهر بذكائه وعدله واول ما ابدا به هو وصيتة التي كتبها
قبل موته وفي المرة القادمة ساتكلم عن شريعة حمورابي المشهورة والمعروفة عند الكثيرين وسوف
ندهش عندما نعرف مدى حكمته وذكائه هذه مقدمة فاقراوا وصيته وفي المرة القادمة سنتكلم عن
قوانينه وشرائعه فارجو الاستمتاع بهذا الموضوع
".. انا الملك المتكامل حمورابي، وهبني الإله إنليل للبشرية ولم أعتكف واضعاً يدي في مخبأي. لقد أسست مدائن العطاء، وكسّرت قيود الاضطهاد، ووهبت للشعب الضوء والحياة. بالسلاح الذي وهبني الإله زبابا والآلهة عشتار وإله الهمة أيا وكذلك مردوخ، قضيت على كل أنواع المقاومة والأعداء شمالاً وجنوباً، كل هذا فعلته حباً بالوطن. لقد أسكنت رعيتي في بيوت ومدن آمنة وكل من حاول التصدي لهم وقفت أنا في وجهه. أنا موكل من قبل الآلهة، هكذا أنا، الراعي الذي رعى بحرص وكانت عصاه دوماً مستقيمة، وظلي ممدد في كل أرجاء مدينتي. احتضنت شعب سومر وآكاد وبمساعدة إلهة الحماية كنت معيلاً لهم في السلام، وقد خبأتهم في داخل نفسي. لا يأخذ القوي حق الضعيف ولا حق الأرامل والأيتام. واني قد وضعت القانون في المدينة بابل وعلى رأسها الالهة إنليل وأنو اللذان رفعاها إلى الأعالي، وقاعدتها خالدة في الارض وفي السماء لتقدم الحق للمحق وتعطي القرار لصاحبه وتنصف المظلوم. كتبت وثبت كلماتي على مسلتي وأمامي أنا ملك العدالة. الملك المميز من بين كل الملوك هو أنا."
مقــدمة:
في أواخر سنة 1901 وأوائل 1902، اكتشف باحثو الآثار الفرنسيون بإدارة السيد مورغان في مدينة سوسة في عيلام ثلاث قطع ضخمة من حجر الديوريت الأسود. ربما سرقها الملك العيلامي شوتروك ناخونته في سنة 1150 قبل الميلاد في إحدى حملاته على بابل. عندما قام خبراء الآثار بتثبيت قطعة فوق الأخرى أدركوا انهم اكتشفوا شيئاً مذهلاً: مسلة كبيرة طولها 2,25 متراً. إنها مسلة حمورابي. في الجزء الأعلى من المسلة رجل يرتدي رداءً طويلاً وعمامةً مدورةً، رافعاً ذراعه اليمنى بخشوع. يشخص أمامه الإله شمش، إله الشمس، ولأن الشمس تضيء كل شي فلا يعود شئ فيه ظلام، فشمش هو إله الحق والعدالة، ذراعه اليمنى ممتدة للأمام ليناول حمورابي شيئين: خاتماً وعصاً كدليلين على السلطة والسيادة.
أما بقية المسلة فتتجزأ إلى ثلاثة أجزاء: الأول هو المقدمة، والثاني المواد القانونية، والثالث هو الوصايا. الكتابة تشكل أسطراً عامودية مفصولة بخط عامودي وتمتد من اليمين إلى اليسار. لقد كانت هذه عادة الكتابة على التماثيل والحيطان في ذلك الزمان، بينما كان البابليون يكتبون من اليسار إلى اليمين في حياتهم اليومية.
عندما أقدم عالم اللغات السيد شايل على ترجمة المسلة قرَّر أن يترجم الجزء الثاني منها إلى مواد دستورية، لأن جلها تبدأ بالكلمة "إذا" حيث تقرأ الحالة وبعدها تنتهي بكلمة "سوف" حيث القرار القانوني. وعند تعداد المواد، اكتشف السيد شايل ان المسلة تحتوي على 282 مادة. لا يعلم احد متى كتبت هذه المسلة بالتحديد لكن العلماء اجمعوا، من خلال قرائتهم لما تحتويه المسلة في الجزء الأول والأخير من إنجازات ملك بابل، على أن المسلة كتبت في نهاية فترة حكمه.
إذاً، من كان هذا الملك حمورابي؟ وكيف حكم بلاد ما بين النهرين؟ وكيف كان المجتمع البابلي يتماشى مع قوانينه الصارمة؟ وبم أوصانا هذا الملك المتميز؟ هل وصيته هي لعنة أم حكمة لكل من سيأتي بعده من حكام بلاد ما بين النهرين؟
في هذا البحث، أسلط الضوء على أسلاف الملك البابلي وثم الدولة البابلية ونظامها المركزي. سوف أتعمق في قانون الأحوال المدنية وحقوق المواطن البابلي مستلهمة بذلك اوجها عدة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية البابلية وعادات الشعب البابلي الذي تمارس بعض طقوسه حتى اليوم. تركز نهاية البحث على وصية حمورابي التي جاءت في الجزء الأخير من مسلته.
الجزء الأول: سلالة الملوك البابلية ودولة بابل الكبرى
عندما هاجرت أعداد كبيرة جداً من العموريين، الذين يسمون أيضاً بالكنعانيين أو الساميين الغربيين، هاجرت من الشمال الغربي لشبه الجزيرة (العربية اليوم) إلى بلاد ما بين النهرين، واستقرت في المنخفضات المتوسطة والجنوبية لتعمل في الزراعة كطبقة مزارعة تحت رعاية أسيادها. وقد نجحت هذه الطبقة المزارعة في الإطاحة بسلالة دولة أور الثالثة التي حكمت البلاد بين 2011-2003 ق.م. كان مواطنو دولة أور الثالثة يتحدثون اللغة السومرية، حيث هناك العديد من الشهادات ولوائح الطين التي تم العثور عليها مكتوبة باللغة السومرية تعود إلى ذلك العصر، بينما يتداول العموريون اللغة الآكادية التي طغت على اللغة السومرية وأعتمدت كلغة دارجة، وهي خليط بابلي آشوري. ومجتمع هذه الدولة يسمى المجتمع البابلي القديم. فعندما نتحدث عن الدولة البابلية القديمة نعني هنا تلك الدولة المتحدثة باللغة الآكادية (البابلية-الآشورية) التي حكمت بلاد ما بين النهرين من القرن التاسع عشر حتى القرن السادس عشر قبل الميلاد.
كانت دولة أور الثالثة دولة قوية متحدة ذات سيادة ونفوذ، وعند سقوطها تجزأت إلى عدة إمارات وممالك متنافسة ومتحاربة، تارة من اجل إستعادة الدولة الموحدة مثل أور الثالثة وتارة أخرى من أجل التمسك بالسيادة والاستقلال.
لم تعد بابل في الألفية الثانية قبل الميلاد محوراً سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافيا مهما، بل كانت منطقة نائية تسكنها قبائل عمورية يحكمها رجل متنفذ. أطلق العموريون تسمية لهذه المنطقة "باب إيليم" اي "بوابة الرب"، وترجمها اليونانيون فيما بعد إلى "بابيلون" أي بابل. كانت السلالة الحاكمة الأولى في بابل للمك الأول "سموابوم" (1894-1881)، وقد حكم هذا الملك بابل قرابة الأربعة عشر عاماً، وكان نفوذه يمتد حتى ضواحي بابل. لقد دمر مدينة كازالو، وكانت هذه تحت سيطرته لفترة قصيرة حتى استولى عليها خلفه وهو الملك "سومولا إيل" (1880-1845) الذي حارب دولة كيش. كان الملك "سابيوم" (1844-1831) ولياً للعهد في مملكة سيبار، وقد اكتشف علماء الآثار أنه انتصر، كما يبدو، على لارسا إعتمادا على لائحة كتب عليها:" لقد انتصر على جيش لارسا بقوة السلاح ".
الملك "آبيل سن" (1830-1813) حكم شمال بابل وكيش ودلبات وبورسيبا وسيبار، وقد شيد العديد من الأسوار لهذه المدن. أما الملك "سن موبالليط" (1812-1793) فإنه سلف الملك حمورابي ووالده. وقد خاض هذا الملك العديد من الحروب ضد أور وأيسين، وُهزم أمام جيوش لارسا التي سيطرت بعد ذلك على أيسين واستولت عليها. كانت لارسا الدويلة القوية تسيطر على الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين، وكانت شوكة في عين حمورابي الذي كان، منذ توليه عرش الحكم في بابل إذ بعد نصف قرن من حكم ابيه، طامحاً للاستيلاء على هذه الدويلة لضمها إلى دولة بابل الكبرى. لقد كانت لارسا تحت حكم قبيلة جاموتبال/يموتبال التي سكنت المناطق الشرقية من نهر دجلة و ملكها "رم سن" ، أما والده "خضر مابوك" فكان شيخ هذه القبيلة الكبيرة. حكم الملك رم سن لارسا ستين سنة، وكانت أشهر انتصاراته على دولة أيسين في السنة الثلاثين من فترة حكمه. وقد خاض رم سن عدة حروب ضد أور والوركاء وكسورا ودير. كان الملك العموري "شمشي أدد" (1812-1780/76) يحكم في الشمال من بلاد الرافدين دويلة آشور التي كانت تعد في الألفية الثانية قبل الميلاد من المعاقل التجارية الرائدة. كان شمشي أدد مسيطرا على الجزء الشمالي من بلاد ما بين النهرين بأكمله والذي يسمى بالهلال الخصيب. وكان هذا الملك يقطن في أكثر الأحيان في مدينة شوبات أنليل المسماة اليوم (تل ليلان). كان هناك بجانب هؤلاء الملوك وهذه الدويلات ملوك آخرون يحكمون في دويلات عديدة، مثل ماري الواقعة على الجزء المتوسط من نهر الفرات والتي كانت ايضاً مركزاً تجارياً مهما تحت سيطرة الملك شمشي أداد، ودويلة اشنونة شمال شرقي بابل التي كانت مستقلة سياسيا عن دولة أور الثالثة تحت حكم الملك "إبّي سن".
كل هذه الدويلات الواقعة إلى الشمال والجنوب من بابل، بقوتها السياسية والاقتصادية ونفوذها ومصالحها مع جيرانها، كانت تعتبر للملك حمورابي الذي استلم مقاليد الحكم في 1792 ق.م. تحدياً كبيراً جداً لتكوين دولة متحدة ذات سيادة مركزية وعاصمتها بابل. إذ كان ملك آشور شمشي أدد وملك لارسا رم سن من أكبر منافسيه وخصومه. لكن حنكة حمورابي السياسية وذكاءه وتيقنه في اتخاذ القرار السياسي مكنته من الانتصار على آشور ولارسا وإنشاء الدولة البابلية الكبرى بفضل اتفاقيات عسكرية ذكية تمنع الجزء الشمالي من الاستيلاء أو السيطرة على أي قاطع من القطاعات الجنوبية أو التدخل في سياسة حمورابي فيما يخص لارسا أو اشنونة. وبعكس ذلك، تم الاتفاق مع ملك لارسا على احترام سيادة بابل وعدم التدخل في سياستها الداخلية والخارجية. كان حمورابي يتمتع بحماية الملك شمشي أدد الآشوري الذي ساعده في خوض الحروب ضد اشنونة (تل اسمر) ولارسا في السنة الثامنة من حكمه.
بعد وفاة الملك شمشي أدد، لم يكن هناك اي سند شمالي لحمورابي، إذ تمكن الملك "زمري ليم" من إنتزاع السلطة من ابن الملك شمشي أدد "جشماخ أداد" الذي كان حاكما لدويلة ماري، وإبرام اتفاقيات مع حمورابي تتضمن تبادل المعلومات الاستخباراتية والعسكرية من قبل رجال مخابرات في بلاطي بابل وماري. تستهدف هذه الاتفاقيات تقوية حفظ السلام وتوطيد العلاقات التجارية ما بين الدولتين.
عندما ايقن بان اشنونة قد تحالفت مع دولة عيلام، سارع الملك حمورابي لحشد جيوشه بالتعاون العسكري مع جيوش ماري، وشن حرباً ضد اشنونة، وسحق جيش عيلام، وانتصرعلى هاتين الدولتين، وكذلك على سابارتو في اشور وعلى غوتيوم وشعبها الجبلي، وايضا على مالغوم الواقعة على دجلة في السنة الثلاثين من حكمه. اصبح ملك لارسا رم سن في تلك الحقبة عجوزاً، لذا لم يعد الشاب حمورابي ملزماً بطاعة حكم رم سن وأخذها بالحسبان، بل كان يستعد للإستيلاء على دويلته وضمها لدولة بابل الكبرى. فتم الاتفاق مع ماري على توجيه تهمة لدولة لارسا مفادها ان ملك لارسا رم سن يستولي على قرى بابلية وياخذ اهلها سبايا للارسا. بهذه التهمة، أعدّ حمورابي لرم سن الضربة القاضية واعتبرها: "عملية دفاعية ومتمناة من الالهة شمش ومردوخ"، وتمَّ ضم لارسا للدولة البابلية التي لم يمسها اي ضرر حربي بل تم بناؤها وترميمها.
لم يكن حمورابي قد اكتفى بهذه الانجازات والحروب لتحقيق أهدافه الاستراتيجية والجغرافية، بل التفت إلى دويلة ماري في السنة الثلاثين من حكمه التي كانت محوراً تجارياً مهماً يربط تدمر بحلب. فقد مزق كل الإتفاقيات مع الملك زمري ليم وسحب رجاله من بلاطه وقام بتحشيد جيوشه للقضاء على ملك ماري. وكرد فعل على تحركات حمورابي، تحالفت دويلة ماري مع دويلة مالغوم وشنتا حرباً عنيفة ضد بابل. في السنة الرابعة والثلاثين، استطاعت جيوش حمورابي تحطيم أسوار مالغوم وماري وضم الدولتين إلى بابل. بعد ثلاثة واربعين عاماً من حروب وتحالفات ومؤامرات، تحقق حلم الملك المتميز حمورابي في توحيد كل الدويلات في بلاد الرافدين، وضمَّها إلى بابل الكبرى، لكي يصبح حمورابي ملك بلاد الرافدين، الحاكم الوحيد العادل والقوي على دولة واحدة موحدة وقوية.