( 9 ) مدار الأفكار
ثورة القارورة
يقول الشاعر العربي :
إنما المرأة مرآة بها=كل ما تنظره منك ولك
فهي شيطان إذا أفسدتها=وإذا أصلحتها فهي ملك
إن القاروة كما يعرفها ارباب اللغة هي واحدة من القوارير من الزجاج،
والقارورة إناء توضع فيه الاشربة ونحوها وتستقر فيها وقيل لا تكون الا من الزجاج خاصة، فالقوارير
جامعة بين صفاء الزجاج وشفيفه وبريقه، وبياض الفضة وحسنها ولينها وشرفها بحيث يرى ما فيها
من خارجها وفي وصفها يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الانسان « ويطاف عليهم بآنية من فضة
وأكواب كانت قواريرا* قوارير من فضة قدروها تقديرا» ويقول سبحانه في سورة النمل «قال انه
صرح ممرد من قوارير» وفي حديث علي بن ابي طالب رضي الله عنه «ما أصبت منذ وليت عملي الا
هذه القويريرة (تصغير قارورة) اهداها الي الدهقان»، وكذلك تطلق القارورة على حدقة العين من
باب التشبيه لصفائها وان المتأمل يرى شخصه فيها وفي ذلك يقول الشاعر العربي:
قد قدحت من سلبهن سلبا=قارورة العين فصارت وقبا
والعرب تسمي المرأة القارورة وتكني عنها بها، ومما جاء في الحديث
الشريف «ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبخشة وهو يحدو بالنساء: رفقا بالقوارير»، اراد عليه
الصلاة والسلام بالقوارير النساء شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن وقلة دوامهن على العهد،
والقوارير من الزجاج يسرع اليها الكسر ولا تقبل الجبر وكان ابخشة يحدو بهن ركابهن ويرتجز بنسيب
الشعر والرجز وراءهن، فلم يؤمن ان يصبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن او يقع في قلوبهن
حداؤه فأمر ابخشة بالكف عن نشيده وحدائه حذار صبوتهن الى غير الجميل، وقيل اراد ان الابل اذا
سمعت الحداء اسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب واتعبته فنهى عن ذلك لان النساء يضعفن
عند شدة الحركة. وقارورة «الثورة» التي يعزى اليها العنوان لا تختلف عن غيرها من غالبية بنات
جنسها في الوهن وضعف العزيمة وقلة دوام العهد بالرغم من تشبثها برداء الشموخ والهيبة، وتعلقها
بجذور العودة الى روح الاصالة والتميز، وقد حظيت هذه القارورة في الوسط الادبي بالتبجيل والثناء
والتدليل المبالغ فيه والاحتقاء لمميزات لا علاقة لقلمها بها، ولانها كغيرها من القوارير ميالة للثناء
ومجبولة على حبه والتعلق به ويصدق فيها الشاعر احمد شوقي:
خدعوها بقولهـم حسنـاء=والغواني يغرهـن الثنـاء
فاتقوا الله في قلوب العذارى=فالعذارى قلوبهـن هـواء
وقد انجرفت تلك القويريرة وراء موجة التصفيق غير الحقيقي والنعوت
التي لا تخلو من المجاملة والمداهنة والمحاباة والنفاق، لتهرول بين ردهات الادب العربي ودهاليز
الادب الشعبي، فمن الشعر الذي اجادت به في بعض نصوصها وان قلت، الى المقالة التي لا تحسن
طرقها ولا تدرك فنها والخوض في خضمها، واخيرا امتطت صهوة النقد قسرا لتصف كل من يخالفها
الرأي بالسخف والغباء والجهل وسوء العطاء، متجاهلة في الوقت ذاته دور القافية واهميتها
والموسومة في عالم الادب بتاج الايقاع الشعري، فهي ركيزة في بنيان ايقاعنا الشعري وركن مهم من
اركانه وقديما قال صاحب العمدة « الشعر يقوم بعد النية من اربعة اشياء وهي «اللفظ والوزن
والمعنى والقافية»، فهذا هو حد الشعر ويقول ابن جني في الخصائص متحدثا عن اهمية القافية:
« الا ترى ان العناية في الشعر انما هي بالقوافي لانها المقاطع» الا ان ذلك لم يعجب القويريرة لان
فارس شعرها وشعورها فشل فشلا ذريعا في احد البرامج الشعرية والتي تتخذ من القافية مسمى
للبرنامج مما زاد في ثورة القويريرة ضد القافية وكل ما يمت لها بصلة.
قارورتي لا ترصـدي للفراقـد=جدي ولدي واتركي صهوة النقد
ما كل من يكتب له بويت ناقـد=يا فاقدة بالطرح روح الهدف فقد