( 224 ) مدار الأفكار
بُستان الدحيّان
يقول الشاعر العربي :
هو شيخُ العلمِ والأعمالِ= ذُو سجـودٍ وركوعِ
طَلَّـقَ الدنيـا ثلاثـاً= بائنــاً دونَ رجـوعِ
في 16 فبراير عام 1931م أي في مثل هذا اليوم قبل 80عاما فقدت الكويت العلامة الجليل عبد الله بن خلف
الدحيّان رحمه الله الذي يعد من منارات العلم والمعرفة,وله أثر ظاهر في إحياء العلم ودراسة الكتب الفقهية
وربط الطلبة بالعلوم الشرعية ,ويعتبر من كبار علماء عصره ومن أبرز رواد الحياة الفكرية والعلمية بالكويت
,وهو من مواليد حي الوسط أحد أحياء مدينة الكويت القديمة في 22 سبتمبر1875م ,ونشأ وترعرع في كنف
والده الملا خلف بن دحيان ,وتعلم على يديه مبادئ القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن الكريم ,وحبب
إليه العلم حيث كان لأبيه مكتب يعلم فيه الصبية الصغار,وعندما اشتد ساعده و بلغ الثامنة عشر من عمره بدأ
رحلته في طلب العلم وحضور مجالس العلماء وقد اتجه في البداية إلى مجالس علماء الكويت في ذلك الوقت
ومنهم الشيخ محمد الفارس والسيد مساعد العبد الجليل رحمهما الله ,ورغبة في طلب المزيد من العلم والمعرفة
وزيادة التفقه في أمور الدين فقد قرر السفر والترحال في بقاع الأرض فسافر إلى مدينة الزبير عام 1892م
التي كانت بلد فقه ودين وبقي فيها مدة عامين يتردد على حلقات العلم لبعض كبار علماء الزبير و فيها زادت
معرفته وعلمه وأكمل دارسته وأخذ الإجازة العلمية من العلاّمة الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى,وفي عام
1895م عاد إلى الكويت إلا أنه لم يكتف بما حصل عليه من العلم الغزير فسافر عام 1906 م للحج وكانت
رحلته للحج والدراسة بمثابة خطوة كبيرة في زيادة معرفته في أمور الدين حيث لم يضيع فرصة الالتقاء في
كبار العلماء في مكة والمدينة لزيادة علمه وعند رجوعه إلى الكويت بدأ بمراسلة الكثير من العلماء في العالم
الإسلامي طالبا للمعرفة والدراسة وكانت رسائله بمثابة درر ولآلي وبحوث في شتي المواضيع, وقد تولى
رحمه الله إمامة مسجد البدرعام 1907م حيث تجمعت فيه صفات الإمامة والزعامة الدينية والوعظ والإرشاد,
ومن أجل الاستفادة من خطبه المؤثرة يقطع كثير من أهل الكويت المسافات البعيدة للصلاة في مسجد البدر
الذي يؤم فيه ,وفي أعمال الخير له مساهمات فاعلة فقد كان المشجع والمحرك للجمعية الخيرية الإسلامية
التي تأسست في البلاد عام 1910 م لخدمة ومساعدة الفقراء والمساكين ,وعند افتتاح المدرسة المباركية في
22 ديسمبرعام 1911م كان أول خطيب فيها وقد جسّد في كلمته فضل العلم في أحياء النفوس وإيقاظ القلوب
وتنوير العقول,وفي عام 1929م وبإلزام من أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله تولى
الشيخ الدحيان منصب القضاء الذي كان يرفضه تورعا فحكم وعدل ولم يخف في الله لومه لائم ولا بطش
ظالم، وعمل في القضاء محتسبا ولم يأخذ أجرا وفي ذلك يقول الشاعر إبراهيم الجراح: ( وتركت أرزاق
القضاة ترفعاً..عنها فما الدينار أو ما الدرهم) ,وفي عام 1930م افتتح مدرسة لتعليم الناشئة وطلبة العلم الذين
يفدون عليه من كل مكان,وعرف الشيخ عبد الله الدحيان بالورع والتقوى والتواضع,وتميز بقوة الإرادة
والعزيمة وصدق القول ونبذ الكسل والملل ,وشدة الحرب للمذاهب البدعية,وقد عمّر وقته ومجالسه بالعلم
والتدريس والوعظ والإرشاد العام فقد درّس الحديث والفقه والتفسير وغير ذلك من العلوم، واعتنى عناية
كبيرة بتدريس كتب الفقه الحنبلي ,فكان مجلسه يضم العلماء الأخيار ويفيض بنور الحكم و مفيد الأفكار,
فديوانه كبستان وارف الظلال يحفل بأنواع الأثمار وجميل الأزهار , ويقول عنه الشيخ عبد الله النوري :
( كان يقرأ للناس من كتاب الله فإذا مرَّ بآيةٍ فسرها ثم ذكر أسباب نزولها ثم استنتج أحكامه وكان يقرأ في
صحيح البخاري وشرحه فتح الباري وكلما فرغ من كتاب شرع في آخر وكان يفتح مجلسه لعامة الناس
صباحاً ومساءً ) ,وقد صدر للشيخ الدحيان عدة كتب منها: ( "العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية
"و " المسائل الفقهية"و" الفتوحات الربانية في المجالس الوعظية"و"رسالة في مناسك الحج"،"وخطب الجمعة
والعيدين") ,أما شعره فقد كان متنوعا و تغلب على قصائده روح الالتزام الديني والتمسك بالفضائل والقيم
العليا، وفي يوم الجمعة 28 رمضان المبارك من عام 1349 هـ الموافق 16فبرايرعام 1931 م توفي
العلامة الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام خير الجزاء فقد كان
مشاركا في كل عمل لنصرة الإسلام والمسلمين .
مرحوم يا رمز التواضع والإحسان = يا شيخ يا نافل بعلمك كثيرين
الله يبيحك يا الفقيه الدحيان= يا من بفضلك يرجحن الموازين
لك بالتقى وآيات الإيمان برهان = و(خمسة عقود وسبع) في خدمة الدين