( 222 ) مدار الأفكار
مصر النصر
يقول الشاعر العربي :
كم ذا يكابد عاشق ويلاقى = في حب مصر كثيرة العشاق
إني لأحمل في هواك صبابة = يا مصر قد خرجت عن الأطواق
إن الشقيقة الكبرى مصر ذات حضارة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ,وتمثل في العالم العربي والإسلامي
ثقلا أساسيا وتأثيرا عظيما,فهي قلب العروبة النابض وعرين شموخها المتين ,وهي حصن الإسلام الحصين
,ومن أهم معاقل العلم والدين ,وقد ورد ذكر مصر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ,قال تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ
يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا
وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا
عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) ( البقرة : 61 ), وقال سبحانه وتعالى : (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي
مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ
عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف : 21) ,وقال عز وجل : (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ
أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) (يوسف: 99) ,وقال تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا
لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 87) ,كما ذكرت مصر
في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنها قوله : ( ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن
لكم منهم ذمه و رحما ) , و وقال أيضا : (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير
أجناد الأرض ، قال أبو بكر لم يا رسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم في رباط إلى يوم القيام ) , أما عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فقد كتب إلى عمرو بن العاص عندما فتح مصر وضمها إلى دولة الخلافة الإسلامية
عام 641 م قائلا: (أما بعد فإني قد فكرت في بلدك و هي أرض واسعة عريضة رفيعة ، قد أعطى الله أهلها
عددا و جلدا و قوة في البر والبحر ، قد عالجتها الفراعنة و عملوا فيها عملا محكما ، مع شدة عتوهم فعجبت
من ذلك ، وأحب أن تكتب لي بصفة أرضك كأني انظر إليها ، و السلام) ,فكتب إليه عمرو بن العاص رضي
الله عنه : (قد فهمت كلامك و ما فكرت فيه من صفه مصر، مع أن كتابي سيكشف عنك عمى الخبر، ويرمى
على بابك منها بنافذ النظر، وإن مصر تربة سوداء و شجرة خضراء،بين جبل أغبر و رمل أعفر،قد أكتنفها
معدن رفقها (أي عملها ) و محط رزقها ، ما بين أسوان إلى منشأ البحر ، فسح النهر(تدفقه) مسرة الراكب
شهرا ، كأن ما بين جبلها و رملها بطن أقب (دقيق الخصر) و ظهر أجب، يخط فيه مبارك الغدوات ،ميمون
البركات يسيل بالذهب ،و يجرى على الزيادة و النقصان كمجارى الشمس و القمر ، له أيام تسيل له عيون
الأرض و ينابيعها مأمورة إليه بذلك حتى إذا ربا و طما و أصلخم لججه (أي اشتد) و أغلولب عبابه كانت
القرى بما أحاط بها كالربا ، لا يتوصل من بعضها إلى بعض إلا في السفائن و المراكب ، ولا يلبث غلا قليلا
حتى يلم كأول ما بدا من جريه وأول ما طما في درته حتى تستبين فنونها ومتونها,ثم انتشرت فيه أمة محقورة
( يقصد أهل البلاد الذين استذلهم الرومان ) ، قد رزقوا على أرضهم جلدا و قوة ،لغيرهم ما يسعون من كدهم
(أي للرومان ) بلا حد ينال ذلك منهم ،فيسقون سها الأرض وخرابها ورواسيها،ثم ألقوا فيه من صنوف الحب
ما يرجون التمام من الرب ، فلم يلبث إلا قليلا حتى أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر و مزعفر يسقيه من تحته
الثرى ومن فوقه الندى،وسحاب منهم بالأرائك مستدر،ثم في هذا الزمان من زمنها يغنى ذبابها(أي محصولها)
و يدر حلابها ( اللبن ) و يبدأ في صرامها ( جني الثمر ) ، فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة بيضاء ، ثم
غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء ، ثم فضه بيضاء فتبارك الله الفعال لما يشاء ، و إن خير ما اعتمدت عليه
في ذلك يا أمير المؤمنين ، الشكر لله عز و جل على ما أنعم به عليك منها ، فأدام الله لك النعمة و الكرامة
في جميع أمورك كلها و السلام ) ,وفي التوراة : ( مصر خزائن الأرض كلها ، فمن أرادها بسوء قصمه الله)
,وبالرغم من جميع الأحداث المؤلمة والمؤسفة التي تتعرض لها مصر العزيزة فإنها ستبقى بمشيئة الله تاج
الأمة العربية وقلعة الإسلام ,ورمز الأمان والاستقرار والسلام,ونسأل الله العلي العظيم أن يحفظ مصر
العروبة وسائر بلاد المسلمين من الشرور والفتن,لأنها إذا أتت لا تصيب الظالم وحده وإنما تصيب الجميع
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله كثيرا من الفتن وقد قال : ( تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها
وما بطن ) .
يا مصر يا تاج العروبة والإسلام = يا قلعة ٍ للدين بين الأنامي
شادت بدورك كل هيئات الإعلام = والله يحفظك يا منار السلامي
تاريخ مجدك حاضر ٍ طول الأيام = ولك بالصدارة موقع ٍ واحترامي