( 220 ) مدار الأفكار
حصاد الاستبداد
يقول الشاعر العربي :
ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ = حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ أبي ّ =وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
إن الاستبداد يعني انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة
ودون النظر إلى رأي المحكومين,أما مفهوم الاستبداد في القاموس العربي الإسلامي فيعني الحزم وعدم التردد
في اتخاذ القرار وتنفيذه,وتبعا لذلك جاءت العبارة الشهيرة: ( إنما العاجز من لا يستبد) لأن العدل يفقد مضمونه
مع العجز عن تطبيقه أما الاستبداد من دون عدل فكان له اسم آخر في المرجعية العربية وهو الطغيان ,ويقول
أرباب اللغة: (استبَدَّ بالأَمر,يستبدُّ به استبداداً إِذا انفرد به دون غيره,واسْتَأْثَرَ بالشيء، أي استبدَّ به،والاسم
الأَثَرَةُ بالتحريك, وفي كتاب المَنْطِق قال ابن شميل : (افْتَأَتَ فلانٌ علينا يَفْتَئِتُ إِذا اسْتَبَدَّ علينا برأْيه ) ,وقال ابن
السكيت: افْتَأَتَ بأَمره ورأْيه إِذا اسْتَبَدَّ به وانفرد, وفي حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (كنا نُرَى أَن
لنا في هذا الأَمر حقّاً فاسْتَبْدَدتم علينا) , ويقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه ( طبائع الاستبداد ومصارع
الاستعباد ) : (الاستبدادُ لغةً هو:غرور المرء برأيه ، والأنفة عن قبول النّصيحة، أو الاستقلال في الرّأي وفي
الحقوق المشتركة, والاستبداد عند السياسيين َصَرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة ) ،
وقد تَطرُق زيادات على المعنى الاصطلاحي فتستعمل في مقام كلمة استبداد كلمات مثل : (استعباد ،واعتساف
، وتسلُّط ، وتحكُّم ) ,وفي مقابلها كلمات مثل: ( مساواة ، وحسّ مشترك ،وتكافؤ، وسلطة عامة ) ,ويستعمل في
مقام صفة مستبدّ كلمات مثل: (جبّار، وطاغية ، وحاكم بأمره ، وحاكم مطلق) , وفي مقابلة حكومة مستبدّة
كلمات : (عادلة ، ومسؤولة ، ومقيّدة ، ودستورية ) , ويستعمل في مقام وصف الرّعية المستَبَدّ عليهم كلمات
: (أسرى ، ومستصغرين، وبؤساء ، ومستنبتين ) ,وفي مقابلها : (أحرار ، وأباة ، وأحياء ، وأعزّاء) ,ومن
صفات المستبدّ التي ذكرها الكواكبي: ( أنه يتحكَّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم ، ويحكمهم بهواه لا
بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من النَّاس يسدُّها عن
النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته , والمستبد عدوّ الحقّ ، عدوّ الحّريّة وقاتلهما ، والحق أبو البشر، والحرّيّة
أمّهم ، والعوام صبية أيتام لا يعلمون شيئاً ، والعلماء هم إخوتهم الرّاشدون ، إنْ أيقظوهم هبّوا ، وإنْ دعوهم
لبّوا ، وإلا فيتَّصل نومهم بالموت ,و يتجاوز المستبدّ الحدّ ما لم يرَ حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظّالم على
جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظّلم ،وكما يقال: ( الاستعداد للحرب يمنع الحرب ) , والمستبدّ إنسانٌ
مستعدٌّ بالطّبع للشّر وبالإلجاء للخير، فعلى الرّعية أنْ تعرف ما هو الخير وما هو الشّر فتلجئ حاكمها للخير
رغم طبعه، وقد يكفي للإلجاء مجرَّد الطَّلب إذا علم الحاكم أنَّ وراء القول فعلاً , ومن المعلوم أنَّ مجرد
الاستعداد للفعل فعل يكفي شرَّ الاستبداد, و يودُّ المستبد أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً، وكالكلاب تذلُّلاً
وتملُّقاً ، وعلى الرَّعية أنْ تكون كالخيل إنْ خُدِمَت خَدمتْ ، وإنْ ضُرِبت شَرست، وعليها أن تكون كالصقور
لا تُلاعب ولا يُستأثر عليها بالصّيد كلِّه، خلافاً للكلاب التي لا فرق عندها أَطُعِمت أو حُرِمت حتَّى من العظام)
,والاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً ، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية
حساب ولا عقاب ,والسلطة المستبدة هي التي تمارس الحكم دون أن تكون هي ذاتها خاضعة للقانون الذي
تراه قيدا على المحكومين دون الحاكم , ويقول همنغواي : ( أتعس أنواع السلطة هي التي تفرض عليك أن
تذكرها صباح مساء ) ,وأشدّ مراتب الاستبداد هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش،القائد للجيش ،
الحائز على سلطة دينية,والرَّعية العاقلة هي التي تقيَّد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها
لتأمن من بطشه ، فإن شمخ هزَّت به الزّمام وإنْ صال ربطتْه ,وتقول العرب في أمثالها : ثمن الكرامة
والحرية فادح ولكن ثمن السكوت عن الذل والاستعباد أفدح ,ويقول لوثر كينغ : المصبية ليست في ظلم
الأشرار بل في صمت الأخيار .
يا عايش ٍ في برج عاجي وحالم =احذر من الطغيان والكبت والظلم
حذرا يغرك صمت شعب ٍ مسالم = وكم ثورة ٍ دوت بعد حالة السلم
دنيا الورى ما سايرت كل ظالم = واستنطق التاريخ يا فاهم العلم