الشاعرة الجزائرية ربيعة جلطي للوكالة: روايتي ليست مذكرات شخصية .. والشعر ليس كتابة فقط .. بل نمط عيش ورؤية للعالم
ربيعة جلطي
وكالة أنباء الشعر/الجزائر تعد الشاعرة ربيعة جلطي التي تنتمي إلى شعراء جيل السبعينات من أهم الشاعرات الجزائريات اللواتي سطع اسمهن في المشهد الشعري العالمي ، كانت انطلاقة ربيعة جلطي من ديوان" تضاريس لوجه غير باريسي" الذي أعلن عن ميلاد شاعرة سيكون لها حضورها بما تحمله تجربتها من تميز واختلاف عن الأنماط الشعرية السائدة واشتغال على اللغة والمفردات لإبهار القارئ وصولا إلى ديوان " من التي في المرآة". وبين هاتين التجربتين رحلة طويلة مع الكتابة وترحال دائم في العواصم العربية والأوربية لسفيرة الكلمة التي ترجم شعرها إلى العديد من اللغات نالت ربيعة جلطي شهادة الدكتوراه في الأدب المغربي الحديث، وهى حاليا أستاذة في جامعة وهران. وكاتبة ومترجمة، لها خمس مجموعات شعرية.يعود لها الفضل في تأسيس مهرجان للشعر النسوي ونظمت خلال الفترة التي كانت فيها على رأس صندوق الإبداع بوزارة الثقافة العديد من الفعاليات الثقافية الناجحة من ضمنها ملتقى الريشة والشعر بمدينة تيبازة.. وخلال الحوار الذي أجرته معها الوكالة تتحدث جلطي عن روايتها "الذروة" وتجربتها مع الكتابة والحياة . -انتقلت إلى الكتابة الروائية فكانت الإطلالة الجديدة برواية "الذروة" هل تعتقدين أن الرواية كانت مفاجأة بالنسبة للقراء الذين تعودوا على ربيعة جلطي كشاعرة ؟ أغلب النقاد الذين تناولوا تجربتي الشعرية من المشرق أو المغرب تطرقوا لحس الحكاية في النص الشعري الذي أكتبه، القصيدة بالنسبة لي هي حياة والحياة قصص وحكايات للكائنات بجميع أنواعها، كل مرور على الأرض تلفه ألغاز وأسرار كلها تغري بالحكاية. المس الجنوني الأول لقصيدتي ينطلق دائما من شيء ما يكون قابلا أن أقصه على غيري، أثر في دواخلي وحركها، لتأتي خيول اللغة الحديثة ترفل في ألوانها كي أركب معانيها. القصيدة دائما تبدأ بحكاية.. أؤمن أن القصيدة الحديثة لا تقبل التفسير ولكنها تقبل أن تتحول إلى حكاية، أنها حكاية بالصورة، شريط مصور. وأنا أكتب الرواية أحس أنني أدخل غرفتي التي أعرفها بتفاصيلها، ليست غريبة علي فقط فتحت نوافذها التي ظلت مغلقة ربما لوقت طويل.. رواية "الذروة" لم تكن مفاجئة لي ربما كانت مفاجأة لقرائي وللنقاد أيضا الذين عرفوني شاعرة، و الذين أعجبوا بها وسط سوق تعج بالروايات بأقلام جيدة من النساء والرجال ولمسوا أن "الذروة" جاءت متمرسة مكتملة البلوغ مفاجئة لهم أيضا لقوة إقبال القراء عليها في المعارض والمكتبات . -حدثينا عن تفاصيل الرواية التي قال بعض من إطلع عليها إنها تحمل في طياتها جزءا من الواقع الذي عاشته ربيعة جلطي.. رواية "الذروة" ليست مذكرات شخصية و لا يوميات، إنها تأمُّل في حياتي و حياة الذين اشتركت معهم و الذين لا نزال نشارك في قيم الاتفاق و قيم الاختلاف، النص الروائي زيارة للطفولة والمراهقة والنضج، زيارة بصيغة الجمع، بكل ما في هذه المراحل من عذوبة و مرارة و تطلع، زيارة بدون نوسطالجيا و لا وقوف على الأطلال. فالذروة رواية المرأة المقاومة في وجه الضحالة التي تحاول أن تسحبها إلى الحضيض، حضيض سياسي و أخلاقي. نعم تعوُد القراء على قراءة شعري والاستماع إلى إلقائي ولكن علاقتنا أوسع من ذلك على المستوى الفكري والجمالي، ففي تونس التي قمت فيها مؤخرا بأمسية حضرها عدد كبير ،أثناء لقائي بالجمهور بعد القراءة كانوا يسألونني بإلحاح عن رواية "الذروة" ويناقشونني ويتذكرون بعض الفصول منها وهناك من يحفظ بعض المقاطع من الحوارات. سعدت لأن علاقتي بقرائي تنوعت و ازدادت عمقا، "الذروة" التي ظلت تتفاعل معي مدة ما يقرب من ثلاث سنوات واستغرقت كتابتها حوالي ثلاثة أشهر تأخذ نسغها ودمها وعظمها من الحياة نفسها، الذروة موضوعها الأساسي هو البحث عن العدل والحرية و الحب والسلام. ولأنني جزء من هذا العصر أحاول أن أعيشه وأفهمه وأفهم ناسه وحكامه ومحكوميه وعشاقه وحراقيه وإدارييه وطيبيه وشريريه، لا أستطيع أن أحلق فوق رؤوس الناس فأفعل كما يفعل البعض الذين ينشرون عشرات العناوين محشوة بتأوهات مبتذلة وغراميات سابحة والتواءات لغوية فارغة تتكدس في واجهات المكتبات وتتراكم في المخازن، لا أستطيع أن أتعالى كقطنة في الجو أترنح، أنا مشدودة إلى الكتابة عن الإنسان الذي أقاسمه هذا العصر ، عصر المكائد، وإلا سأشعر بالخيانة، سأخون عصري، أنا أعيش في هذا العالم أحاول أن أظل جلية البصر والبصيرة لا يفوتني ما أحياه وما يحياه الناس حولي، أنا لا أحب الأبراج العالية علمني أبي المثقف الرزين التواضع ، أنا أحس بالناس بأفراحهم فأفرح لهم و معهم، وجروحهم تؤلمني كثيرا وأعرف أوجاع البلد مثل جرح غائر في الكف أراه كل يوم مفتوحة العينين والعقل . القارئ العربي وجد في رواية "الذروة" نفسه وحياته بما فيها من كرب وطرب وسخرية لاذعة. نجاح الذروة وانتشارها يدل على أن القارئ العربي نمت له حاسة أخرى يعرف من خلالها بسرعة من يحترم عقله ووقته أعتقد أن القارئ المعاصر أصبح بالغا صعب المراس، ولأنني من هؤلاء الكتاب الذين يحترمون القارئ ولا يستصغرونه فإنني أعتقد أنني كسبت ثقته. -ما هي الأسباب التي دفعت ربيعة جلطي إلى عالم الرواية وهل ستتخلين عن كتابة الشعر؟ الشعر هو الحامل الأول للنبض فيّ، إنه المنظم لدقات قلبي ، الشعر ليس كتابة فقط إنه نمط عيش ورؤية العالم ،الشعر يجتاحني كل دقة قلب ويتحرك في الضوء الذي ينكسر في آخر العين لتتعدل صورة الأشياء، إنه الضوء الذي يسبق كل ما أراه حولي في هذا الكون وألمسه وأشعر به. أنا ولدت هكذا بحساسية مفرطة في التأمل في ما حولي، كل شيء حولي يملك قيمة، لايمرّ دون أن يسألني و أسائله . أعتقد أن هذه الخصيصة التفاصيلية التي يضفيها الشعر على الأحداث والأشياء حولي حتى تصبح ضاجة في نطقها وصمتها هي التي تدفع بي إلى إيجاد طريقة أخرى للبوح ليست غريبة عني ، ولتكن الرواية الآن.الرواية بمبضعها وأضوائها الكاشفة وأشباحها وقطاع الطرق بها ، الرواية بألوانها وألاعيبها الفنية والجمالية وكر الأشخاص وفرهم فيها. الرواية امتداد للحالة الشعرية الجادة العميقة المدوخة، هكذا أعيشها بكل تواضع وهكذا أراها . و لا تعارض بين كتابة الشعر و الرواية، فأكبر روائي مغاربي الآن و هو الطاهر بن جلون الحائز على جائزة الغونكور للرواية هو بالأساس شاعر و قد كرم أخيرا بجائزة أركانة للشعر. العقل الأدبي العربي "حنبلي" في التقسيم و التحليل و التحريم، و كأن من كتب الشعر و كتب الرواية فقد ارتكب جرما، العقل غير العربي لا ينظر إلى الكائنات الأدبية بهذا الفصل المجحف. -كيف يمكن لربيعة أن تحمل القارئ إلى عالمها وإلى عصافيرها؟ سؤالك ممتع ..الأديب الحقيقي مثل الدوحة أو الشجرة وارفة الظلال يحتاج إليه القراء للتظلل، للتفكير و للتسلية أحيانا .. وأنا في حياتي اليومية أحنو كثيرا على مصائر الأشجار التي تشبه في فلسفة وجودها مصائر الناس الطيبين المعطاءين الكرام، وتشبه أيضا النصوص الأدبية التي اجتمعت وتجتمع حولها الأجيال المتلاحقة. أنا أشتغل أزيد من ست عشرة ساعة في اليوم و نصفها في القراءة، أريد أن تكون نصوصي وليمة معرفية ولغوية و فلسفية لقرائي. فالكتابة الجيدة لا تنتهي فقط عند إبداع نص متميز و لكنها أيضا تمتد إلى صناعة قارئ متميز و تلك هي هواجس الكاتب و خلود الكتابة. -لا تتخلفين على الإبداع.. ولكن هل تعتقدين أن الوقت مناسب للكتابة، أو بعبارة أصح هل يغير المبدع شيئا في هذا العالم؟ صحيح أن العالم اختلط حابله بنابله، ولكن الكاتب غير مخير أن يكون حساسا لما حوله أو لا يكون، هو قدره هكذا، ولد هكذا وعليه أن يكتب بدل أن يتأقلم مع القبح ،بل أن يحاربه بلسانه وقلمه وأن يشيع الجمال والطيبة والخير في العالم وإلا ستتسع الهوة بينه وبين الواقع فيجن ، وليس غريبا أن نرى بعض من جن ومن انتحر. نعم سجل الكُتاب عبر عتبات التاريخ بصبرهم كتبا سربت إلى الناس ضوء الوعي فدفعت بهم إلى تغيير أوضاعهم .. صحيح أن الكاتب لا يملك جيشا جرارا ولا أسلحة فتاكة ولكنه عمل الكاتب أشبهه بكفين ضعيفين يحفران الرمل بإصرار وصبر في صحراء قاحلة عطشى بها قيظ إلى أن يتفجر الماء على خطى رمزية السيدة هاجر عليها السلام . أنا ضد استقالة الكتاب من الكتابة، فالرداءة التي تحيط بالكاتب العربي تريده أن ييأس و بالتالي مغادرة مواقعه التي منها يدافع عن قيم الخير و الجمال و الحياة. -ماذا شكل لك التحدي الالكتروني وما الذي تعتقدين انه أضاف للإبداع وللمبدع والقارئ معا؟ التواصل مع الشركاء في الإبداع والقراء والمعجبين من كل العالم بلغاتهم المختلفة وأشكالهم المختلفة ورؤاهم وتحليلاتهم و مخيالاتهم ، هو ما في ذلك شك نعمة لا يرفسها إلا الغبي أو الجاحد في ظل هذا التطويق و هذا البؤس الذي يطفو على وضعية الكاتب و الكتاب. إلى حد الآن لم أفكر في إنشاء صفحة أو مدونة لي وحدي أحب الحديث إلى الناس داخل السوق العام ومشاركتهم المواضيع التي تؤثر فيهم وليس الإشارة إليهم من النافذة العالية.لذلك أحبذ التواجد داخل الأصوات والوجوه ولكن رغم ذلك فهم يرفعونك بقدر ما تتواضع،مثل الواقع الفعلي الواقع الافتراضي يظل الإنسان هو هو . -كيف تتعاملين مع القارئ الافتراضي في البعيد البعيد.. هل تشعرين بنبضاته؟ القارئ الموجود داخل الشبكة الضوئية الجالس يقرأ النص في الأركان الأربعة من الأرض لا يختلف كثيرا عن القارئ الذي يستمع إليك في أمسية. ربما هي حالة إيجابية بالنسبة للقصيدة الحديثة، أكثر من قراءة عابرة فللقارئ هامش للتأني والتأمل في اللغة والأساليب والمعاني والإسقاطات الفلسفية والتاريخية وغيرها في القصيدة . هناك من القراء من أصبح يدمن على قراءة القصيدة الحديثة المكثفة التي تأخذ به إلى أعماق أخرى للغة يكتشف مغاليقها رويدا رويدا ولذلك متعة فكرية كبيرة. دون شك تجربة القراءة الأدبية الإلكترونية العربية بدأت تتمأسس شيئا فشيئا، و أعتقد أنها تحتاج إلى تراكم في الكم و النوع حتى نحكم عليها، و لكني متأكدة بأن المكتبة الإلكترونية قادمة، وهي التي ستغير أيضا من طريقة كتابتنا، أسلوبا و لغة، و حتى جنسا أدبيا، و تغير أيضا من طريقة قراءتنا الكلاسيكية التي تعود إلى قرون خلت. -ما هي أمانيك الشعرية التي لم تحققيها بعد؟ كل فتح جديد في بحار اللغة واللعب بها واستنطاق المواطن المجهولة فيها يجعلني أشعر بالنصر،لأنني أومن -كم قلت ذلك لطلبتي في الجامعة- اللغة مثل الطفل ستسوء حاله إذا ما بالغنا في الخوف المرضي عليه. إن تقديس أية اللغة يقتلها وينمطها ..اللغة كائن حي لا تليق به المتاحف . إنني في كل ما أكتب أحاول أن أفكك عقد اللغة العربية الفريد وأعيد تشكيله على هواي وأن أوصل متعة فهم الرسالة إلى القراء و أملي أن أنتصر في ذلك. hgahuvm hg[.hzvdm vfdum [g'd gg,;hgm: v,hdjd gdsj l`;vhj aowdm ,hgauv gds ;jhfm tr'
hgahuvm hg[.hzvdm vfdum [g'd gg,;hgm: v,hdjd gdsj l`;vhj aowdm ,hgauv gds ;jhfm tr'