( 217 ) مدار الأفكار
محجان مجنان
يقول الشاعر العربي:
فلا تتكلْ إلا على ما فعلته ُ=ولا تحسبنّ ْالمجد يورث ُبالنسبْ
فليس يسود المرءُ إلا ّ بنفسه ِ = وإن عدّ آباء ًكراماَ َذوي حسبْ
قبل أن يسود الأمن والاستقرار ربوع شبه الجزيرة العربية والتي تم توحيدها باسم المملكة العربية السعودية
عام 1932م على يدي المغفور له بإذن الله تعالى المليك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه
الله وطيب ثراه , وفي زمن الفوضى والخوف والاضطراب عاش (مجنان صاحب المحجان) ,وهو فتى بدوي
شديد الجرأة والذكاء,وتميز بالقوة والشجاعة والإباء ,وقد امتهن النهب وقطع طرق المسافرين ,وعدته في
ذلك قوته الجسمانية ومحجانه المصنوع من الأثل والذي يتقلده في كل تحركاته,والمحجن أوالمحجان هي عصا
محنية الطرف كالصولجان ,ويقول أرباب اللغة : حجن العود يحجنه حجنا ,وحجنه عطفه ,والحجن والحجنة
والتحجن إعوجاج الشيء,و يقال فلان محجن مال أي يصلحه و يحسن القيام عليه والجمع محاجن,والاحتجان
الفعل بالمحجن ,ويقال للصقر أحجن المنقار والمخالب أي معوجهما,واحتجان مال الغير اقتطاعه وسرقته ,وفي
الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه,ليراه
الناس ، ويشرف ليسألوه , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (توضع الرحم يوم القيامة ولها حجنة كحجنة
المغزل ، تكلم بلسان طلق ذلق فتصل من وصلها وتقطع من قطعها ) ,والحجون موضع بمكة ناحية من
البيت الحرام قال الأعشى : ( فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا *ولا لك حق الشرب في ماء زمزم ),و قال
ابن مقبل : ( قد صرح السيرعن كتمان وابتذلت*وقع المحاجن بالمهرية الذقن ),وحجنت الشيء واحتجنته
إذا جذبته بالمحجن إلى نفسك ,ومنه قول قيس بن عاصم: ( ولا بد للمشعوف من تبع الهوى *إذا لم يزعه من
هوى النفس حاجن ) ,وصاحب المحجن في الجاهلية رجل كان معه محجن وكان يقعد في جادة الطريق فيأخذ
بمحجنه الشيء بعد الشيء من أثاث المارة فإن عثر عليه اعتل بأنه تعلق بمحجنه ,وأبو محجن الثقفي شاعر
وفارس عربي مسلم مغوار,أما صاحبنا مجنان صاحب المحجان فقد كان كثير الأسفار والترحال ,وفي إحدى
القرى التي قصدها لتصريف غنائمه من السلب والنهب والقتل تعرف على سدران الفتى القروي ضعيف البنية
محدود الذكاء,ولكنه كثير البذل والثراء,ونشأت بينهما صداقة فريدة ,وعلاقة مصالح وطيدة ,فقد أعجب سدران
بقوة وهمة (مجنان ) فبدأ يقربه ويصرف عليه ببذخ ويفاخر به أبناء القرية والقرى المجاورة ويتحدث باسمه
بأنه الأقوى والأقدر, وفارس الميدان ونبراس الشجعان, وكاسب الأوسمة والتيجان ,حتى سخر منه أحد أبناء
قريته وقال : ( من الأجدر أن تفتخر بصنيعك ,لا بفعل مستجلب في حال نفاد المال يبيعك ) ,وقديما قال
الشاعر : ( إن الفتى من قال ها أنذا *ليس الفتى من يقول كان أبـي ) , وقال غيره : ( ما المرء إلا ابن
نفسه فبها * يعرف عند التحصيل لا النسب ) ,وقال آخر : ( إذا المرء لم يبن ِ افتخاراً لنفسه * تضايق عنه
ما ابتنته جدوده , ولا خير في من لا يكون طريفه * دليلا على ما شاد قدما ً تليده ) ,لقد تذكرت أحداث هذه
القصة عندما سمعت أسماء بعض اللاعبين ممن حسبوا على منتخبات خليجية وهم لا يتكلمون العربية ,ومن
يفتخر بعطائهم ينطبق عليه المثل الشعبي القائل : ( العنز اللي تفتخر بكبر ذنبة الخروف ) , ولاشك أن الخليج
يمتلك مخزونا بشريا هائلا غنيا بكفاءته الرياضية الفذة التي تغني عن جلب اللاعبين الأجانب أو تجنيسهم
للغاية الكروية , ومن غير المنطقي والمقبول أن يكون أحد لاعبي الفريق الوطني لدولة خليجية غير مسلم ولا
يتكلم اللغة العربية.
يا طالب الأمجاد من غير مقضاب= من كف غيرك ما تحقق مطاليب
لا تفتخر بأفعال وأمجاد الأجناب = فعل ٍ ما هو لك لا تعده من الطيب
للمال يأتي نازح الدار طلّاب = وإن قل مالك ما يرد التراحيب
من يزرع الإخلاص للأرض ما خاب = وراجي سراب القيظ ماله مقاضيب
انبع مسار الطيب واحسب له حساب = وجنب طريق مخالفين المواجيب