( 8 ) مدار الأفكار
وفاق الواق واق
يقول الشاعر العربي :
بذا قضت الأيام ما بين أهلها=مصائب قوم عند قوم فوائد
فــإن قليـل الحـب بـالعقل صـالح = وإن كثــير الحــب بـالجهل فاسـد
جاء في كتب التراث العربية القديمة أن بلاد «الواق واق» هي
مجموعة من الجزر، وعددها نحو 1700 جزيرة، وتحدد أغلب المراجع موقعها في بحر الصين أو
بحر الهند، ويرى بعض الباحثين أن قارة استراليا هي بلاد «الواق واق» اعتمادا على ما ذكر في
مؤلفات الرحالة وروايات التجار المسلمين الأوائل، ممن التقوا سكان استراليا
الأصليين «الأبورجينز»، إذ حددوا موقعها بأنها في أقصى بقاع الأرض، وكذلك يوجد في
ولاية «نيوساوث ويلز»، منطقة يطلق عليها «واكا واكا»، والتشابه كبير بين الاسمين، بينما يرى
غيرهم أن «الواق واق» اسم أطلقه جغرافيو العرب على منطقة اختلفوا في تعيين موضعها، فقالوا
إنها مدغشقر أو المحيط الهندي أو بلاد الصين أو اليابان، أما أحدث تعريف عنها، فقد صدر عن
الجامعة العربية على اعتبار أنها جزر «الكومورس» التي تقدمت بطلب الانضمام إلى الجامعة
العربية عام 1975، ويقول أرباب اللغة: إن الوقوقة تعني اختلاط صوت الطير، وقيل وقوقتها: هي
جلبتها وأصواتها في السحر، ويقال إن الرحالة العربي ابن بطوطة هو الذي أدخل تلك الكلمة إلى
العربية من الكلمة الصينية «واكو كو»، التي تطلق على بلاد اليابان في القدم.
ورغم الاختلاف والتباين في وجهات النظر بشأن تحديد موقع بلاد «الواق واق»، ومصدر تسميتها،
لكنه لا خلاف على كونها بلاد العجائب والغرائب، وأن سكانها يعرفون بالطيبة والوداعة وحب الخير
والسلام، ومما يروى أنه في هذه البلاد المسالمة أجريت انتخابات حرة لاختيار مجلس يمثل شعبها،
ولأنه لا قيود ولا تعقيد على الترشح فقد تقدم من المرشحين «جزار» أو «قصاب»، كما نسميه في
الخليج لا يعرف في عمله ولا عالمه وشؤون حياته، إلا نحر الخراف والتعامل مع ميزان اللحوم
والتلاعب بالأسعار أحيانا، إلا أن حب المناصب ورغبة الوجاهة والمكاسب اغرته، فقرر خوض
التجربة، وكدعاية انتخابية ودعما لموقفه بين أبناء الدائرة فقد وعد زبائنه ممن يتعامل معهم بالأجل
بأنه سيسقط عنهم قيمة ما له من مديونيات عليهم في حال نجاحه وفوزه بأحد مقاعد المجلس، فتعاطف
معه «المدينون» وصوتوا له، وعند إعلان النتائج حصل القصاب ومرشح الدائرة على 35 صوتا
فقط، أي أنه جاء في آخر قائمة المرشحين كما توقع الجميع حتى ممن صوتوا له، ولكن جاءت
المفاجأة غير المتوقعة والغريبة في بلاد الغرائب، إذ اكتشف تلاعب في نتائج التصويت في بعض
المناطق، فانتشر الخبر وصاحبته ريبة وشكوك في جميع النتائج، ما دفع النخبة من النبلاء والأنقياء
ممن حالفهم الحظ بالفوز إلى تقديم استقالاتهم احتجاجا على ما حدث من تدليس وتلاعب بالنتائج، وعلى
ضوء ذلك استدعي الاحتياط لإكمال نصاب المجلس، وتوالت الاعتذارات من أصحاب الفكر والمراكز
المتقدمة حتى وصل الدور إلى «القصاب» وعدد قليل ممن هم على شاكلته، ففرحوا بالعرض وتحقق
الحلم بالوصول إلى مقاعد المجلس، وأصبحوا أعضاء في برلمان بلاد «الواق واق» وفقا للمثل
القائل: «مصائب قوم عند قوم فوائد»، وكما يؤرخ أهل الكويت سنوات الحوادث المهمة،
مثل: «سنة البطاقة والهدامة والطاعون»، فإن بلاد «الواق واق» تسير على نفس المنوال، وكان
لفوز القصاب بعضوية مجلس بلاده نصيب من التخليد، فيقول أهل تلك البلاد «سنة فوز القصاب»،
وقد تذكرت هذه الحادثة التي رواها لي أحد الأصدقاء قبل عقدين من الزمن، وذلك عندما قرأت ما جاء
في العدد 344 من جريدة «الوسط» والصادر بتاريخ 26 أبريل 2008 بشأن صدور أوامر ضبط
وإحضار بحق 89 مرشحا واحتمال استبعادهم من الانتخابات لصدور أحكام قضائية ضدهم في قضايا
متعددة تتراوح بين الجنح والجنايات والقضايا المدنية، لكنني لا أعلم سرا محددا أو هدفا معينا للربط
بين واقعية المرشحين المتهمين وواقع القصاب عضو مجلس أمة بلاد «الواق واق»، وقد تكون من
باب التوافق والوفاق مع «الواق واق» في مناسبات برلمانية تستحق الاحتفاء.
يا ابن الوطن حذرا يضيعن الأصوات=وصوتك أمانة مير حافظ على الصوت
احرص على اللي يخدم الدار بالـذات=وكب الذي في سوّ الأعمال منعـوت