(214) مدار الأفكار
ختام العام
يقول الشاعر العربي :
يسر المرء ما ذهب الليالي= وكان ذهابهن له ذهـــابا
ولا ينفك يسري المرء حتى= يغيب ويملأ الدنيا غــيابا
إن ساعات العمر التي هي رأس مال الإنسان, ومزرعة أعماله والميزان, تمر سريعا فتنقضي الشهور
والأعوام، وتنصرم الأسابيع والأيام، فها نحن نودع عاما مضى من أعمارنا بما فيه من الأفراح والأتراح
والأحلام,وقد طويت صحائفه بما أستودع فيها من الأعمال والآمال والآلام,ونستقبل عاما جديدا لا يختلف عما
سبقه من حيث دورته والنظام ,فالأيام دائبة التتابع والمسير بتقدير العزيز الخبير,قال سبحانه وتعالى : ( يُقَلِّبُ
اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) (النور:44)وقال تعالى: ( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )
(آل عمران:140) , وقال عز ّوجل: ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ) ( الأعراف:54) , وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس:عن عمره فيما أفناه؟
وعن شبابه فيم أبلاه؟وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ ) ,وفي وصية بليغة تصحح
منظور المسلم إلى الحياة قال صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما : (كن في الدنيا كأنك غريب
أو عابر سبيل ),فعابر السبيل يتقلل من الدنيا،ويقصر الآمال،ويستكثر من زاد الإيمان ، وقال أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا) ,وقال علي بن
أبي طالب رضي الله عنه: ( ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلةً، ولكل واحدةٍ منهما بنون، فكونوا
من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل) , ومما يروى
أن شيخا من أهل نجران وفد على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال له كم مر عليك من الدنيا؟ قال
يا أمير المؤمنين عشت من الدنيا مائتي سنة قال : يا شيخ المعمرين صف لي الدنيا! قال يا أمير المؤمنين
الدنيا سنيهات رخاء ,وسنيهات بلاء ,يوم فيوم وليلة فليلة يولد مولود ويهلك هالك فلولا المولود لباد الخلق
ولولا الهالك لضاقت الدنيا على من فيها فقال له سلني حاجة اقضيها لك قال يا أمير المؤمنين أسألك عمرا
مضي أن ترده أو أجلا حضر أن تدفعه قال هذا ليس إلي قال إذا لا حاجة لي بك فودعه وتركه) ,وقال ابن
عمر رضي الله عنهما: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك
لمرضك، ومن حياتك لموتك) ,و يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: ( يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، فإذا ذهب
منك يوم ذهب بعضك ) , و قال الفضيل بن عياض لرجل كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة, قال: فأنت منذ
ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ, فقال الرجل: (إنا لله و إنا إليه راجعون) , قال الفضيل: أتعرف
تفسيرها! فمن علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول
فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة قال: يسيرة, قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى
فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم ) , ويقول الحسن البصري : (إنما الدنيا
حلم والآخرة يقظة ، والموت متوسط بينهما ونحن أضغاث أحلام ,من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر،
من نظر في العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل , من حلم غنم ومن خاف سلم ، ومن اعتبر أبصر ومن أبصر
فهم ومن فهم علم ومن علم عمل ,فإذا زللت فارجع وإذا ندمت فأقلع ، وإذا جهلت فاسأل,وإذا غضبت فأمسك،
واعلم أن أفضل الأعمال ما أكرهت النفوس عليه) ,و قال يحيى بن معاذ رحمه الله : ( الدنيا حانوت المؤمنين
والليل والنهار رؤوس أموالهم ، وصالح الأعمال بضائعهم،وجنة الخلد أرباحهم ، ونار الأبد خسرانهم ),ويقول
الدكتور عقيل العقيل: (إن المسلم يأخذ من انصرام الأيام وذهاب الأعوام عبرا تدفعه للعمل الصالح ) ,ويقول
الشيخ عبد العزيز السدحان: ( نحن الآن على طرف قنطرة نوشك أن نعبرها لتستقر أقدامُنا على طرف
قنطرة أخرى،فخطوةٌ نودع بها وأخرى نستقبل بها، نقف بين قنطرتين مودّعين ومستقبلين، مودّّعين موسماً
كاملاً أودعنا فيه ما شاء الله أن نودع، فخزائن بعضنا ملأى بما هو عليه، ومن الناس من جمع ما له وما
عليه، ومستقبلين عاماً جديداً) ,ويقول أحد الشعراء: (نسير إلى الآجال في كل لحظة*وأعمارنا تطوى وهُنّ
مراحل ,ترحل من الدنيا بزاد من التقى* فعمرك أيام وهن قلائل) ,ويقول غيره: (وما هذه الأيام إلا مراحلُ
*يحث بها حادٍ إلى الموت قاصدُ ,وأعجب شيء لو تأملت أنها*منازلُ تطوى والمسافر قاعد) ,ويقول شاعر
آخر: (إنا لنفرح بالأيام نقطعها*وكل يوم مضى يدني من الأجل,فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً* فإنما
الربح والخسران في العمل ) ,ويقول أحمد شوقي: (دقات قلب المرء قائلة له*إن الحياة دقائق وثواني,فاصنع
لنفسك قبل موتك ذكرها*فالذكر للإنسان عمر ثاني ) ,ويقول غيره: ( مرت سنون بالوئام وبالهنا* فكأنها من
قصرها أيام ,ثم انثنت من بعدها أيام* فكأنها من طولها أعوام,ثم انقضت تلك السنون وأهلها*فكأنها وكأنهم
أحلام) , فالعمر قليل والأجل قريب، ومهما طال الأمد فلابد من الرحيل,وقيل لنوح عليه السلام، وقد لبث مع
قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: (كيف رأيت هذه الدنيا؟ ) فقال: ( كداخل من باب وخارج من آخر ) ,وسير
الأيام الحثيث يباعدنا عن دار الأمل والعمل ,ويقربنا إلى دار الحساب والجزاء,وقد قيل إن العام إذا ولى
مدبراً فقد ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من الأعمال، وسيرى كل عامل عمله قال تعالى:
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) (آل
عمران:30) , نسأل الله العلي القدير أن يجعل عامنا هذا عام خير ورخاء وبركة على الإسلام والمسلمين.
*شعاع
نبارك للزميلة الروائية الشابة علياء الكاظمي صدور روايتها الجديدة الموسومة ( شهامة ) وهي
الإصدار السادس بين كتب المؤلفة وسنبحر في خضم مضمون شهامة العلياء في عدد قادم بمشيئة الله .
يا عايش ٍ بأحلام وأوهام الأيام =لا تخدعك باسم الأمل غرقة النوم
احذر ختام أيام عمرك والأعوام = ولا تتبع في منهجك كل منجوم
دنياك لا تغريك في زود الأنعام =ترى الأجل يا صاح محدود محتوم
عبد العزيز الفدغوش
الأربعاء, 5 يناير 2011
[email protected] http://www.alwasat.com.kw/public/Edi...0101226009.pdf