قد تخضع القلوب للتقسيمات الإدارية والاستعمارية ، فهي أشبه ما تكون بالأوطان التي خضعت للاحتلال وسلب الحرية ، قسمها الاستعمار إلى أقطار ودويلات صغيرة تسهل السيطرة عليها ، شرد أهلها وطردهم من ديارهم وأرضهم ، ومن بين هذه القلوب قلبي الصغير الكبير، الذي غزاه الحزن واستعمرته الهموم ، حزن أصاب قلبي في الصميم وهموم أخذت عاصمة قلبي، وقسمته إلى أربع دويلات صغيرة للاستفراد بها الواحدة تلوى الأخرى ، وفي كل دولة سكان يقيمون بعقد أبدي يفرحني هذا العقد إلا ساكن الدولة الرابعة أريد فسخ العقد معه وطرده منها بأي شكل .
ففي أول دولة يسكن أبي الغالي وأمي الفاضلة وإخوتي الأعزاء وأمي الثانية التي فارقتِ الحياة ورحلت إلى جوار ربها ،أمي التي لم تلدني بل أشرفت على تربيتي طيلة فترة وجود والدتي في المستشفى بعد ولادتي بثلاثة أشهر ، ولم تقصر معي في شيء كانت تعلمني معنى الرجولة والصدق وظلت تعاملني على أني ابنها المدلل طوال حياتها ، رحمة الله عليها ، إنها جدتي من أبي .
والدولة الثانية تسكنها حبيبتي التي ملكت حياتي وكللتها بالحب والرغبة بالحياة ، حبيبتي التي لأجل عينيها أعبر الخطر وأتحدى المحن.
والدولة الثالثة يسكنها أحبتي وإخوتي في الله وهم أصدقائي الذين يزينون حياتي ويضفون عليها شيئاً من البهجة والهناء وهم كثر بفضل الله رب العالمين والله يشهد كم أحبهم وأتمنى لهم الخير فهم والله إخوة أعزاء في الله رب العالمين .
أما الدولة الرابعة آهٍ منك أيتها الرابعة الأسيرة ، فيسكنها لا والله لا يسكنها بل يحتلها الحزن اللئيم والهم الثقيل ، ولا يكتفيان بسلبها والإقامة فيها بل يهدمان ديارها ويقتلعان أشجارها ويسرقان ثمارها ، فمتى تتحد دويلات قلبي وتشكل قوة هائلة من الأهل والحب والأصدقاء المحبين تقهر بها ذلك الحزن وتلك الهموم وتطرها من الجزء الحزين الكظيم من قلبي لتعم البهجة كل أرجاء قلبي ، الذي ينغص الحزن عليه فرحته في كل الأوقات بغلبة الضيم والقهر ، وهنا الشبه الأكبر بين القلوب والأوطان ، فالعيد على الأبواب و به سنفرح لكن فرحتنا تبقى مكبوتة مهيضة الجناح بسبب المحتل الذي سلب قدسنا على جياد يهودا وعاد ليقتحم بغدادنا بجحافل الصليب ، فمتى تستفيق أمتي وتشحذ الهمم وتوحد الشتات لطردهم من أرضنا السليبة لتعم الفرحة كل القلوب
كل القلوب .