أختكم نوال سالم نسايم الساده
عرف الإنسان الكتابة منذ الأزل، وقبل اكتشاف الحروف الأبجدية التي نتداولها اليوم، فكانت ولا زالت وسيلة للتعبير والتواصل، عرفها الإنسان واستخدمها لتكون الطريقة المثلى لترجمة ما في دواخله، في كافة مناخاته النفسية والظاهرية، فشكـّلها على أنماط وأشكال، منها الشعر والنثر والخطابة، حتى ظهرت فنون جديدة كالكتابة الصحفية والأدبية الأخرى، وكلها مسميات تندرج تحت مسمى (الكتابة).
لست هنا لأُعرّف معنى وماهية الكتابة، وجاء مقالي لهذا العدد لا لأبيّن أهمية دورنا ككـُتـّاب وحاملي لواء ترجمة الآخرين بالكتابة لهم وعنهم، بل لحساسية موضوع الكتابة نفسها عندما نعجز أحياناً عن قول شيء ما وترجمته حرفياً، وعندما نكون مسؤولين أمام الله وأنفسنا والآخرين فيما نكتب، نحن في نعمة نُحسد عليها في أحيان كثيرة، وقلة من باستطاعتهم تطويع الكلمات وتشكيلها، فتكون سبباً في نعيمه أو شقائه، وفي جانب آخر قد نكون أسياداً لها نحكم ألفاظها، أو عبيداً تقوم هي بدور السيد الذي يُطاع أمره ويُسمع.
مواقف كثيرة تجعلنا في عجز تام عن الكتابة، تُرى! هل سألنا أنفسنا يوماً ما هي أسباب هذا العجز؟!، نحن شعب ناضلنا من أجل الحرية باحترافنا الكتابة، وكانت الكتابة جزء مهم في مجريات الأحداث السياسية التي مرت بها دولنا العربية كافة، فـَلِم هذا الشعور بالعجز وبأيدينا كتبنا تاريخ استقلال دولنا؟!
ثمة أمر آخر ربما يكون أكثر غرابة عندما يكون محوَر الحديث هو الكتابة، نعرف الكثير ممن اتخذوا الكتابة وسيلة لإيصال أمر ما أو التعبير عنه، ولكن ما يـُستغرب منه هو الإحساس بالتذبذب في الذات عند الإفراغ من الكتابة، وكأن من قام بتلك العملية شخص آخر أو مخلوق جاء من الفضاء الخارجي، لتبدأ سلسلة من النقد والنقاشات والتساؤلات، فكلٌ مسؤول عما اقترفت يمينه أو شماله، إذا ما سُمّيـَت الكتابة ذنباً كان صاحبها وجدها وسيلة للتعبير عن ذاته، ولسنا بحاجة إلى محامٍ ليقوم بدور الدفاع عما قمنا به، فالمسؤولية تكمن في الذات نفسها بأن يجعل الفرد منا رقيباً لذاته، فالرقابة الذاتية خير من ألف محامٍ يترافع لتبرئتنا من أمر نظرنا إليه نحن بأعيننا على أنه جرم، فلنكن صادقين مع أنفسنا فيما نكتب، ولنكن أصحاب كلمة حق قيلت في يوم ما، فلم تـُسلـّط سيوفاً على رقابنا لنخاف مما قلنا أوكتبنا، فلتكن ضمائرنا حية، ونكون بقدر وحجم المسؤولية الملقاة علينا.
أختكم نوال سالم نسايم الساده