الساحرة كيرلا
في بلد المهراجات، ترى عجائب الزمان، ولن يتوقف نظرك عند مظهر معين لتشخص اليه، فكل ما تراه لافت وقد يكون جميلا أيضا. ورغم البساطة التي يعيشها أغلب شعب الهند الا ان الابداع الطبيعي والانساني تجدهما بارزين وممتزجين في صور قلما تتكرر الا في الهند.
كيرلا.. بقعة أرض ساحرة تقبع في أقصى جنوب غرب الهند، يقطنها قرابة 32 مليون نسمة يشكلون فسيفساء اجتماعية امتزجت بتواصل انساني رائع، حيث يشكل الهندوس 60% من عدد السكان في حين يبلغ المسيحيون نحو 20% ومثلهم من المسلمين تقريبا.
وتلعب تجارة جوز الهند دورا بارزا في اقتصاد
كيرلا بالإضافة الى انشغال أهلها بزراعة التوابل والمطاط.
وفي الأساطير الشعبية يروى ان
كيرلا اكتسبت اسمها من كلمة «كيرام» وتعني شجرة جوز الهند.
ويخترق جسد
كيرلا نحو 44 نهرا بروافدها وفروعها تشكل في مجملها مسطحا مائيا يشمل بحيرات وزعت على ضفافها العديد من المنتجعات السياحية تحفها من الجوانب حقول الأرز الشهيرة.
وللمحيط الهندي مداخل عدة على
كيرلا لتداخله في تلك النقطة مع بحر العرب ما يوفر للسياح فرصة مزاولة رياضة القوارب وسط الأغصان المنسدلة على حواف تلك المداخل والبحيرات.
ويقع في
كيرلا مدينة تسمى تروفاندوم تطل مباشرة على المحيط حيث يبلغ عدد سكانها نحو 3 ملايين نسمة تمتاز بوجود العديد من المنتجعات السياحية الصحية والعلاجية الطبيعية بمناخها الاستوائي الدافئ والممطر على مدار الساعة تقريبا في بعض الفصول.
ومن تلك المنتجعات ما يسمى بـ «ســـوما» وهــــو غــــاية قصد أغلب السياح الأجانب نظرا لامتيازه بالهدوء الجميل وإطلالته المائية وغلبة اللون الأخضر على جميع مسطحاته بالإضافة الى تميزه بالأكواخ الخشبية المصممة بطريقة تعيد الإنسان الى عصر ما قبل التكنولوجيا، كما يقدم المنتجع الطعام الطبيعي والصحي الطازج البعيد عن المثلجات والمواد الحافظة ليتناغم ذلك مع موسيقى التراث الهندي في أجواء مسائية هادئة.
وفي منتجع سوما تنام باكرا على صوت هدير أمواج المحيط لتستيقظ مع بزوغ شمس اليوم التالي بعد تسلل أشعة الشمس وخيوطها الملونة من بين أغصان أشجار جوز الهند لتفتح عينيك على ضباب يلف المكان وسماء ملبدة بالغيوم ورذاذ أمطار تتحول الى زخات ساحرة تزورك في أي لحظة وأنت تتناول طعام الإفطار قبالة المحيط الهندي وأنت تشاهد منظر الصيادين في بداية يومهم وصراعهم مع الأمواج العاتية.
وفي
كيرلا أيضا منتجع «كوكونت لاجون» وهو عبارة عن مدينة عائمة وسط المياه يعتمد على السياحة الخارجية ويمتاز بقدرته على الاكتفاء الذاتي من شتى الاحتياجات وأولها وسائل المواصلات الوحيدة وهي القوارب الصغيرة ويمتاز بأكواخه الخشبية ذات الأدوار المتعددة المصممة بنظام يستهوي عشاق الطبيعة.
كما يعتمد هذا المنتجع على تجميع مياه الأمطار في أحواض كبيرة ليقوم بإعادة تنقيتها لاستخدامها من جديد في الأعمال اليومية، وايضا يعالج مياه الصرف الصحي لاستخدامها في ري المزروعات ومن بقايا الطعام المخزنة لمدة تفوق الـ 45 يوما، يصنع الهنود في منتجع «كوكونت لاجون» الغاز المستخدم في عمليات الطهي.
ورغم فأل الشؤم من طائر الغراب لدى بعض الشعوب الشرقية إلا ان هذا الطائر يتواجد في الهند وتحديدا في
كيرلا بكثافة لا يمكن تصورها ومع ذلك لم نجد ان الحياة توقفت ولم يصب أي منا بمكروه مع انه كان يشاركنا في بعض وجباتنا.
ويتفاءل أهل الهند بطائر يسمى الـ «كينج فيشر» وهو صائد السمك حيث قامت العديد من الشركات باستخدامه كعلامة تجارية لها وإحداها شركة طيران كبيرة.
وتعتبر مدينة كوتشين العاصمة التجارية لكيرلا وهي مركز اقتصادي مهم كما يوجد بها مقر البرلمان والحكومة ويقطنها نحو مليون ونصف المليون نسمة وهي أول مدينة أقامها الأوروبيون على بحر العرب وبها معالم سياحية قديمة ذات قيمة أبرزها المقبرة الألمانية وأقدم كنيسة في الهند قام بتأسيسها القديس توماس حيث يوجد بها قبر الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما.
كما يوجد في كوتشين قلعتها الشهيرة وشباك الصيد الصينية بالاضافة الى وجود نوع غريب من الأشجار تقوم بلملمة أغصانها على بعضها البعض فور هطول الأمطار.
ومع انها مدينة تجارية الا ان كوتشين بها منتجع للعلاج الطبيعي تمتلكه طبيبة متخصصة هي وزوجها، يقدم خدماته لمرضى غالبيتهم أجانب باستخدام الأعشاب الطبيعية والزيوت وجلسات المساج.
وتمتاز
كيرلا بارتفاع نسبة المتعلمين فيها رغم الظروف الاجتماعية التي تعيشها غالبية الأسر هناك حيث تصل نسبة المتعلمين بها الى 99% من إجمالي عدد السكان بسبب القوانين المحلية، كما تعد مدينة آمنة جدا للسياح ويمتاز أهلها بكرم الضيافة على الطريقة الهندية التي تتوج ببقعة حمراء على جبين الزائر وباقة ورد ثم ثمرة جوز هند تحتسي عصيرها الطازج لتعود اليها من جديد.