لغة الأشياء / رجعت الشتوية
ثمة أشياء لا يمكن تقاسمها مع أحد وتبقى ملكنا وحدنا، وهي سر حريتنا.
باولو كويلو
الكل ينتظر الشتاء بمطره وتفاصيله البعيدة، لكن الشتاء كعادته الجديدة يعاندنا و يتملص من ضيافتنا، يخطو خطوتين ثم يتراجع نحو المجهول، مختبئا في ثوب السماء الواسع، ما بين غيمة ونجمة.
ونحن في منتصف ديسمبر تبدو الأرض وقد أعياها شوقها لزخات المطر وزمجرة الريح ودوي الرعد، لكن لا مطر ولا ريح ولا رعد ولا برق ولا صقيع في الأفق القريب!
سيأتي يوم تكون فيه ذكرياتنا عن الشتاء شبيهة بذكريات طفولتنا عن الصحراء، التي خلت من جميع كائناتها الحية وتخلى عنها العرفج والنوير والعناكب والخنافس وبدت مزدحمة بمواسم الترفيه وقاحلة في الوقت نفسه.
الشتاء الذي تترقبه أرواحنا، بتفاصيله الصغيرة المبهرة، نعيد تكرار السؤال الصعب بيننا متى يحين وقته؟ كأننا علقنا في فصل الخريف لمدة طويلة، و الخريف عادة بلا مريدين و لا تهفو إليه الأفئدة!
خارج اللعبة والكائنات الشتوية تشطب في رزنامة السنة الكثير من الأيام الراحلة نحو الشتاء، ممنية نفسها بمستقبل يبدأ عادة بعد موسم هجرة الطيور. تبدو هدايا الفصل الأجمل شحيحة وأحلامه ثقيلة و إيماءاته قليلة.
حتى فيروز التي غنت كثيرا له لم تعد مهتمة بتلك «الشتوية التي رجعت» وغنت لمجرد التواجد... «ايه في أمل» تاركة الخيبة تصنع قفازها بلا أمل!
يقول حكيم الرواية باولو كويلو «أحيانا تكون الحياة بخيلة جدا، قد نقضي أياما و أسابيع و أشهرا وسنوات دون أن نشعر بشيء، ثم فجأة، وما إن نفتح الباب...»، لربما كان شتاؤنا مغافلا لنا لكنه آت لا محالة، وهذا ما لا يبشر به خبراء الأرصاد الذين فقدوا الأمل بمواسم المطر والخير!
البرد الجميل الذي يهدهد القلق بداخلنا ويقلم أظافر الضوضاء من حولنا وينشر موسيقاه في المكان، يرافق بخار كوب من الشاي الأخضر فوق الطاولة، ويلاحق الخيوط الملونة في معطف جميل، ويضحك على منظر حذاء أنيق لوث طين الطريق طرفه، ويدهش من طول بال قطع الفحم المتقلبة. هذا البرد الذي لم يصافحنا بعد... يتساءل الكل بخذلان متى يجيء؟ وكل ما حولهم يبعث على الخيبة.
«منذ الفي شتاء
وأنا اسأل نفسي
وسؤالي
دائما يقذفني
بين المحطات شظايا».*
متى يجيء؟... كي تهدأ النفوس قليلا، وتلتقط الحياة أنفاسها المشبعة بإيقاع أبطأ. يساعدنا على التأمل والتفكير بعدما فقد الكثيرون منا القدرة على الإنصات والتحلي بالحكمة.
من هنا حتى تلمع سماؤنا بالبرق وتعبر الغيوم فضاء مدينتنا المتعبة، لنكف عن طرح الأسئلة بخصوص الفصل العنيد، مكتفين بعبور الخريف على مهل شديد، كارتشاف فنجان من القهوة المرة بدافع المجاملة فقط.
* المقطع الشعري للشاعر البحريني علي الشرقاوي.
gym hgHadhx L v[uj hgaj,dm >> fhslm hguk.d hgH.dhx hgaj,dm hguk.d fhslm v[uj