يكتب «ليتذوق الحياة الجميلة»
حوار / جوزف أبي ضاهر: تعريف الشعر يسقطنا في متاهة النهاية
جوزف ابي ضاهر شاعر صاحب خصوصية، قصائده وأعماله الكتابية ولوحاته تشهد لهذا الامر. اصدر اكثر من عشرين كتاباً بين شعر بالفصحى والعامية ودراسات حول الشعر والادب، وصدرت عنه كتب ودراسات تناولت تجربته في الشعر والادب. اليوم، يستعد لإصدار مزيد من الكتب الشعرية والدراسات، والحديث حول تجربته يساهم اكثر في بلورة الصورة.
• كيف تعرف الشعر بالنسبة اليك اليوم؟
- الشعر هو الحياة التي اعيشها. الشعر كلمة صغيرة لكنها اكبر من الكون، اكبر من الحياة نفسها. الشعر هو رديف الامل والمحبة وهو البهجة التي تساعدنا على العيش في المستقبل. السؤال عن الشعر سهل، لكن الاجابة عن هذا السؤال تبدو صعبة، فمهما قلنا وفسّرنا القصيدة، ومهما حاولنا الغوص في الشعر تبقى الكلمات اقل، ويبقى التعبير اقل، ونحتاج دائماً الى تفسير جديد، ورغم كل هذا، لا نصل الى الجواب الشافي والكافي، كأن الشعر هو كل هذا المناخ الذي يتقلّب ويتغيّر ليعطي للإنسان مزاجاً جديداً.
• قال احد الشعراء في تعريفه للشعر لو اعرف لعرّفته وارتحت؟ ماذا عن تعريفك للشعر؟
- يصعب تعريف الشعر بكلام نهائي. كلما حاولنا تعريف الشعر، نجد انفسنا امام السؤال نفسه الذي لا يكتفي بالجواب. سؤال الشعر هو معنى مستمر، وأهميته تكمن في استمراره. ربما اذا وصلنا الى تعريف نهائي للشعر، نسقط في متاهة النهاية.
سهولة التعريف تشبه صعوبة التعريف ايضاً. كلما كانت القصيدة وافية ومليئة بالحياة، نستشعر ببقية لها، وحين نصل الى تلك البقية، نكتشف اننا في بداية القصيدة، فهل بدأ الشعر؟
• هذه الجدلية الشعرية هل هي من اساس الشعر؟
- لا يحتاج الشعر الى كل هذا التنظير كي نعرّفه ونقدّمه للآخر ولسوانا. يكفي ان نبحر في بحر اللغة الشعرية ويكفي ان نصارع موج القصيدة، حتى نتعرف على هذه الخصوصية الفذّة التي تملأ القصيدة. ليس في الشهر جدلية عابرة، انها جدلية المعنى المتوالد من صلب اللغة والقصيدة، وعلى الشاعر ان يكون داخل ذاته جيداً كي يرى العالم جيداً. الشعر هو مرآة الذات التي تعكس العالم.
• اما زالت قصيدتك في بحر عاطفتها وبحر عشقها؟
- قصيدتي لا تحيد عن منبع عاطفتها، حتى لو حضرت المأساة كلّها. قصيدتي حالة من الحياة، تسعى دائماً الى الجمال، والجمال هو العاطفة في ذروتها. نعم ما زالت قصيدتي في مساحتها الاولى، مساحة العاطفة والجمال، ولا يمكن هذه المساحة ان تنتهي او تتوقف حتى لو انتهى صاحبها. القصيدة كفيلة استمرار هذا النهج العاطفي الكبير، واللغة لا تتوقف ابداً.
لقد كتبت الحب والسلام الداخلي للروح، وكتبت الحياة بكل تنوعاتها المشرقة، ولامست مساحات اخرى في الحياة، ومهما كانت بعض القصائد متجهة الى بعدها الحياتي الصعب، الا انني تسلحت بالعاطفة، بحنان القصيدة، لتكوين الزمن العازل الذي يعزل العذاب عن هذه العاطفة الخلابة.
• اين تجد قصيدتك اقدر، في الفصحى او العامية خصوصاً انك كتبت بهما وعبرت عبرهما؟
- القصيدة ليست اسيرة اللغة او الشكل ابداً. القصيدة تبقى هي هي كيفما ظهرت وكيفما عبرت وكيفما خرجت من قلب الشاعر وروحه. المهم القصيدة وليس شكلها. وحين اكتب القصيدة لا اعطي للأشياء الاخرى اكثر مما يجب. اترك القصيدة تنساب في مدى اللغة التي تحتاج اليها، ودائماً القصيدة هي التي تفرض على الشاعر شكلها وإطارها ولغتها. اكتب بالفصحى وأكتب بالعامية او بالمحكية اللبنانية، وأجد نفسي مرتاحا جداً عند هذه القصيدة «بالفصحى» او تلك «بالعامية». لا اجد تضارباً او انحيازاً الى هذه القصيدة او تلك، الموضوع والحالة والاحساس والشعور تفرض عليّ شكل التعبير والدلالة الشعرية.
• اما زالت القصيدة تفرض هيبتها عليك كما كانت في بداية التجربة؟
- اهمية القصيدة انها تبقى حيّة وفاعلة ومؤثرة جداً داخل حياة مؤلفها، وهي نبض هائل لا يتوقف، كما خفقات القلب تماماً. انها امتداد لهذا القلب الخافق، اذا تعثّر القلب تعثّرت القصيدة. نعم ما زالت القصيدة على هيبتها في حياتي وأيامي ونشاطي، وما زالت تشعرني بسيطرتها كأنها تولد للمرة الاولى في حياتي. انها الابن والابنة والصديقة والحبيبة والوطن والدار والزمن والمكان، فكيف تغيب هيبتها؟
• نلاحظ غزارة في انتاجك الشعري وكذلك في كتاباتك الاخرى والأبحاث الادبية، كيف تفسّر هذا الامر؟
- الكتابة بالنسبة الي هي مذاق الحياة الجميلة، فكيف اتوقف عن هذا المذاق المغري؟ القصيدة عندي هي الملازمة لأيامي وأحلامي وعاطفتي، انها انعكاس لذاتي الهائمة في مساحات الحياة، فكيف لا تكون غزيرة؟ وكذلك الكتابات الاخرى التي انجزها، هي رديف هذا النشاط الذي يساعدني في تصويب الحياة باتجاهات جميلة. الكتابة عندي هي حاجة وضرورة وقدرة، وخارج إطار الكتابة يصعب الحديث عن مباهج العاطفة، او عن قدرة الحياة ووظائفها في ايامي، لقد حققت بالكتابة كل ما اصبو اليه، ولابد لي من ان استمر في هذا النشاط الذي يداوم في عروقي.
• انت ايضاً رسّام ونحات، كيف تُفسّر هذا التنوع في حياتك الابداعية؟
- القصيدة لا تكتفي بشكل واحد اي اللغة. القصيدة موجودة هنا وهناك وهنالك، وتكمن العاطفة في مفاصل كثيرة في الحياة، والعمل الابداعي الذي ينطلق من العاطفة لا يمكن حصره في اطار واحد، وبالنسبة اليّ، اجد نفسي قادرا على استحضار هذه العاطفة في اشكال متعددة ومتنوعة، وتأتي اللوحة او المنحوتة لتكمّل هذه العاطفة وتجعلها اكثر حضوراً في الواجهة وفي الباطن ايضاً. اللوحة والمنحوتة هما ظلال اخرى للقصيدة التي اكتبها والعكس هو الصحيح.
p,hv L [,.t Hfd qhiv: juvdt hgauv dsr'kh td ljhim hgkihdm