( 209 ) مدار الأفكار
أجراس الإفلاس
يقول الشاعر العربي :
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم = كرة تراض بلعبها الأجسام
وقـفوا لها متشــمّرين فالقيت = فتـعاورتها منهم الأقـدام
إن الإسلام قد أباح ممارسة بعض الرياضات التي تساهم في تقوية الأجسام مثل السباحة والرماية وركوب
الخيل، فهو يمجد القوة ويدعو لها,قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من
المؤمن الضعيف ) ,وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( علموا أولادكم السباحة والرماية
وركوب الخيل ) ,فالجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة، وقد ذكر ابن القيّم في كتابه زاد
المعاد أن الحركة هي عماد الرياضة، وهي تخلِّص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعوِّد
البدن الخِفّة والنشاط وتجعله قابلًا للغذاء وتُصلِّب المفاصل وتقوِّي الأوتار والرّباطات، وتؤمن جميع الأمراض
الماديّة وأكثر الأمراض المِزاجية، إذا استُعمل القَدْر المعتدِل منها في دقّة وكان التدبير يأتي صوابًا وقال: كل
عضو له رياضة خاصّة يَقوَى بها، وأما ركوب الخيل ورمي النِّشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة
للبدن كله،وهي قالعة لأمراض مُزمنة,ولا يرى علماء الإسلام في الوقت الحاضر حرجا في ممارسة الأنشطة
الرياضية التي لم تعرف في زمن سلفنا الصالح مثل: ( كرة القدم ,اليد، السلة، الطائرة وغيرها,بشرط مراعاة
جملة ضوابط منها: (أن لا تُشغل عن أداء الواجبات، وعدم الإسراف في اللعب، وعدم العنف الذي يضر
بالآخرين ,إلا إنه لا يجوز بحال إغداق الأموال عليها ببذخ وسرف في الوقت الذي لا تجد فيه الشعوب لقمة
عيشها,يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي : (إن لكرة القدم أهمية خاصة من ناحية تحمس الجماهير لها،
واشتغالهم بها، وانقسامهم حولها، حتى لتكاد تكون في بعض البلدان (وثنا يعبد)، وهذا ما يجب التحذير منه،
فإن كل شيء يزيد عن حده، ينقلب إلى ضده، وأن الأصل في اللهو كله: أنه مباح،ما لم يبلغ حد الإسراف،
كما قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف: 31) ,وكل المباحات مقيدة بعدم
الإسراف، إذا بلغت حد الإسراف، استحالت إلى الحرام) , ومنذ سبعين عاماً قال توفيق الحكيم ً: (لقد ولّى
عصر القلم وحلّ عصر القدم)، وذلك في سياق إبداء استغرابه الشديد جرّاء إقبال الناس في الأربعينات على
مباريات كرة القدم وانفضاضهم عن مطالعة الصحف والمجلات والكتب وحضور الندوات) , ويقول المستشار
فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء: (مما لا شك فيه أن المباريات الرياضية تأخذ
اليوم حجماً أكبر بكثير مما يلزم خاصة في بلاد المسلمين، وتستعملها كثير من الأنظمة لإبعاد الناس عن
المشاركة السياسية ولتنفيس المشاعر المحتقنة بسبب الكثير من الممارسات الخاطئة), وقد أقر الإسلام
الرياضة، وشجع عليها,شريطة ألا يصرِف لها اهتمامًا كبيرًا يغطِّي على ما هو أعظم منها بكثير ,ولا يرضى
أن تمارِس بشكل يؤذِي الغير أو يؤدي إلى التحزُّب الممقوت، ويعد التعصب وهو الميل المبالغ فيه من أبرز
العيوب والأمراض التي تشوه الرياضة و قد انتشر وللأسف بشكل ملحوظ في معظم دول العالم ومنها بلداننا
العربية ,وبسبب التعصب وقعت كوارث بشرية مفجعة في مباريات كروية أوروبية وعربية وأدت إلي وقوع
العديد من الضحايا وتخريب المنشآت والأموال ,وقد قدمت منظمة الصحة العالمية عدة نصائح تجنبا للمخاطر
الصحية التي تنتج عن التعصب الكروي حيث أثبتت الدراسات الطبية أن الجو المشحون بالحماس والاهتمام
والانفعال والتوتر الذي يصاحب المباريات يزيد من إفرازات هرمونات التوتر من الغدد الصماء إلى الدورة
الدموية وبالتالي يزداد إفراز هرمون الإدرنالين والذي يؤدى دورا مهما في ضبط مستوى السكر ومعدل
ضغط الدم ويزيد أيضا من سرعة ضربات القلب وتجلط الشرايين مما قد يؤدى في النهاية إلى السكتة القلبية
كذلك يمكن أن يؤدى التوتر في بعض الحالات إلى حدوث عجز عصبي أو شلل نصفى,كما أن التعصب
الكروي له خطورة شديدة حيث أنه ينشر حالة من الفوضى والعنف في المجتمع ويفقد مشاهدة كرة القدم
المتعة والإثارة، ومن المؤلم أن نرى التعصب الرياضي في الوطن العربي قد وصل لمرحلة خطيرة جداً
مقلدين في ذلك تعصب الغرب الأعمى , بالرغم من أننا نختلف عن الغربيين فنحن أصحاب عقيدة محبة،
وتجمعنا الأخوة التي أمرنا بها ديننا الإسلامي الحنيف وهي أسمي وأعلي من كل ناد أو فريق أو حتى من
كيان وتاريخ رياضي ويكفي أننا نؤثم شرعاً إن تبادلنا أي نوع من الشتائم أو أي شيء يمس هذه الرابطة
الأخوية السامية ,وقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ، فتوى تقضي بتحريم التعصب
الكروي، واعتبر أن من يتعصب يستحق إقامة حد الحرابة عليه في قوله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ
الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (المائدة :33 ) ,نسأل الله تعالى أن يصلح
أحوال المسلمين ، ويردهم إلى دينهم ردا جميلا، وأن يعيننا على طاعته وحسن عبادته .
يا عاشق المرواس وأجراس الإفلاس = ترى التعصب منهج ٍ للمفاليس
مصلوخ يطرد جلد منفوخ يا ناس=وش عاد لو له يكثرن المراويس
ترى الفخر والعز في قوة الباس = وكسب المعالي والثناء والنواميس