حرب داحس والغبراء من أشهر الحروب أوسعها في العصر الجاهلي وقد أستمرت تلك الحرب قرابة الأربعين سنة بين عبس وفزارة وهم أبناء عمومة فقد أمتدت الحرب حتى شملت غطفان وغيرها وهم الآن اي عبس وفزارة إحدى بطون قبيلة بني رشيد اليوم التي أنضوي بها معظم القبائل الغطفانية ذكر ابن الاثير ان قيس بن زهير بن جذيمة العبسي سار إلى المدينة ليتجهز لقتال عامر والاخذ بثأر أبيه فأتى أحيحة بن الحلاج يشتري منه درعاً موصوفة فقال له لا أبيعها ولولا أن تذمني بنو عامر لوهبتها منك ولكن اشترها بابن لبون ففعل ذلك واخذ الدرع وتسمى ذات الحواشي ووهبت أحيحة أيضاً ادراعاً ,, وعاد إلى قومه وقد فزع من جهازه فاجتاز بالربيع بن زياد العبسي فدعا إلى مساعدته على الأخذ بثأر فأجابه إلى ذلك .. فلما أراد فراقه نظر الربيع إلى عيبته فقال : مافي حقيبتك فقال متاع عجيب لو أبصرته لراعك وأناخ راحلته فأخرج الدرع من الحقيبة فأبصرها الربيع فأعجبته ولبسها فكانت في طوله فمنعها من قيس ولم يعطه إياها ,, فترددت الرسل بينهما في ذلك , ولج قيس في طلبها ولج الربيع في منعها , فلما طالت الايام على ذلك سيُر قيس أهله إلى مكة وأقام ينتظر غرة الربيع , ثم إن الربيع سير إبله وأمواله إلى مرعى كثير الكلأ , وامر اهله فظعنوا وركب فرسه وسار إلى المنزل , فبلغ الخبر قيساً فسار في أهله وأخوته ,,فعارض ظعائن الربيع وأخذ زمام أمه فاطمة بنت الخرشب وزمام زوجته , , فقال فاطمة أم الربيع ماتريد يا قيس؟ قال أذهب بكن إلى مكة فأبيعكنبها بسبب درعي قالت: وهي في ضماني وخل عنا ففعل فلما جاءت إلى ابنها قالت له فى معنى الدرع,فحلف أنه لايرد الدرع فأرسلت إلى قيس أعلمته بما قال الربيعه فأغار على نعم الربيع فاستاق منها أربعمائة بعير ,, وسار بها إلى مكة فباعها واشترى بها خيلاً وتبعه الربيع فلم يلحقه , فكان فيما أشترى من الخيل داحس والغبراء. وقيل : أن داحساً كان من خيل بني يربوع وأن أباه كان أخذ فرساً لرجل من بني ضبة يقال له أنيف بن جبلة وكان الفرس يسمى السبط وكانت أم داحس لليربوعي فطلب اليربوعي من الظبي أن ينزى فرسه على حجره فلم يفعل فلما كان الليل عمد اليربوعي إلى فرس الضبى. فأخذه فأنزاه على فرسه , فاستيقظ الضبى فلم يرى فرسه فنادى في قومه فأجابوه وقد تعلق باليربوعي فأخبرهم الخبر ,, فغضبت ضبه من ذلك فقال له لا تعجلوا دونكم نطفة فرسكم فخذوها فقال القوم قد أنصف فسقط عليهل رجل من القوم فدس يده في رحمها فأخذ مافيها فلم تزد الفرس الا لقاحاً فنتجت مهراً فسمى داحساً بهذا السبب , فكان عند اليربوعي ابنان له, وأغار قيس على بني يربوع فنهب وسبى ورأي الغلامين أحدهما على داحس , ولآخر على الغبراء , فطلبهما فلم يلحقهما فرجع وفي السبي أم الغلامين واختان لهما , وقد وقع داحس والغبراء في قلبه , وكان ذلك قبل أن يقع بينه وبين الربيع ما وقع ثم جاء وفد بني يربوع في فداء الاسرى والسبي فأطلق الجميع إلى أم الغلامين وأختيهما وقال: إن أتاني الغلامان بالمهر والفرس والغبراء وإلا فلا ,, فامتنع الغلامان من ذلك , فقال شيخ من بني يربوع كان أسيراً أبياتاً فبعث فيها إلى الغلامين وهي :
أن مهراً فدا الرباب وحملا * * وسعاد الخير مهر أناس ادفعوا داحساً بهن سراعاً * * إنها من فعالها الاكيـاس دونـها والذي يحج له * * سبـايا يبعن بالأفـراس أن قيس يرى الجواد من الخيل * * حياة في متلف الانفاس يشتي الطرف بالجراجرة * * الجلة يعطي عفواً بغير مكاس
فلما انتهت الابيات إلى بني اليربوع قادوا الفرسين إلى قيس واخذوا النساء , وقيل ان
قيساً انزى داحساً على فرسه له فجاءت بمهرة فسماها الغبراء ثم إن قيساً أقام بمكة فكان أهله يفاخرونه وكان فخوراً , فقال لهم نحو كعبتكم عنا وحرمكم وهاتوا ماشئتمفقال له عبدالله بن جدعان: إذا لم نفاخر بالبيت المعمور وبالحرم الآمن فبم نفخارك؟ فمل قيس مفاخرتهم وعزم على الرحله عنهم لانهم قد كرهوا مفاخرته ولعل من اعظم الأسباب والتي سميت بها المعركه على أسماء الخيول التي هي داحس والغبراء هو الرهان الذي جاء على فرسن من خيل قيس وفرسين من خيل حذيفه والرهن عشرة أذواد وقيل أن ان حذيفة قال على ما أراهنك وقال قيس على خيلك داحس والغبراء وقال قيس داحس أسرع وقال حذيفة الغبراء أسرع وقاللقيس أريد أن أعلمك ان بصري بالخيل أثقب من بصرك والأول اصح فقال له قيس نفس في الغايه وأرفع بالسبق فقال حذيفه الغايه من ابلى إلى ذات الأصادوهو قدر مائة وعشرين غلوه والسبق مائة بعير فلما فرغوا قادوا الخيل إلى الغايه زحشدوا ولبسوا السلاح وتركوا السبق على يد عقال بن مروان وأعدوا الامناء ,, واقام حذيفه رجلا من بني اسد في الطريق وامره أن يلقي داحساً في وادي ذات الارصاد إن مر به سابقاً ,,وقد هم السباق وسبقها داحساً سبقاً بينا فعل ذلك الرجل ما امر به وأنتهى السباق بسبق الغبراء وقال حذيفه سبقتك ياقيس ولقد كانت هذه اول شراره لما علم قيس من الناس فعل حذيفه وغدره وقد نشبت بعد ذلك الحرب على مدى أربعون سنه وهى لها من الايام والغزوات والقصص ما لا يتسع ذكره ولقد كانت تلك الحرب من اكبر المعارك التي عرفها التاريخ القديم نرجو ان لاتتكرر فاليوم السلاح غير السلاح والقلوب غير القلوب