اعلانات المنتدي

لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ



الإهداءات

آخر 5 مشاركات قهوجي وصبابين قهوة ضيافه في جده 0552137702 (الكاتـب : خدمات - )           »          مقاول ملاحق و غرف خارجيه قزاز في الرياض 0551033861 (الكاتـب : خدمات - )           »          مباشرين قهوة بجدة صبابين 0552137702 (الكاتـب : خدمات - )           »          دورة نظام واجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب (الكاتـب : جاسر صفوان - )           »          افضل مؤسسة تركيب اسمنت بورد في الرياض 0551033861 (الكاتـب : خدمات - )


الانتقال للخلف   شبكة الشموخ الأدبية > شموخ الفكر > مجلة الشموخ الثقافية

 
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : [1 (permalink)]  
قديم 03-05-2020, 07:46 AM
موقوف

 بيانات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  alshmo5 غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي



 
افتراضي القيم الإنسانية في سورة الحجرات خطبة جمعة


القيم الإنسانية في سورة الحجرات
***************************************
الحمد لله ربِّ العالمين، اختار لنا الإسلام ديناً، والقرآن كتاباً، والكعبة قبلةً، وسيِّدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم نبياً ورسولا.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أعزَّنا بهذا الدين، ورفع شأننا عنده في الدنيا وجعلنا في الآخرة من عباده المقربين - إن تمسكنا بما أوصانا به، وصرنا دائماً وأبداً نَعِي أننا عباد الله المسلمين.

وأشهد أن سيِّدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، اختاره الله عزَّ وجلّ على حين فترةٍ من الرسل، وقضى به على الجاهلية، وأزال به وبشريعته الشِّركَ والوثنية، وأحيا به هذه الأمة حياة تقيَّة نقيَّة، صاروا فيها في الحقِّ سواء، وجعلهم الله عزَّ وجلّ إخوةً متآلفين متكاتفين، يسعون إلى الخير وإلى العمل الصالح في الدنيا ليفوزوا بالسعادة الأبدية يوم الدين.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمدٍ، الذي جعلته ختام الأنبياء والمرسلين، وجعلت شريعته وكتابه مُهيمِنَيْن على ما جاء به النبيِّون والمرسلون، وجعلته إماماً للناس جميعاً يوم الدين وشفيعاً للخلق أجمعين.
صلِّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكلِّ من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

إخواني جماعة المؤمنين:

ذكر لنا الله تعالى آياتٍ من كتاب الله عزَّ وجلّ في سورة الحجرات، وهي سورة الآداب الإلهية التي أوصى الله بها عزَّ وجلّ المؤمنين، ليسعدوا في حياتهم الدنيوية، وتصير مجتمعاتهم مجتمعات تقيَّة نقيَّة، لا فيها غلٌّ ولا حقدٌ ولا حسدٌ، ولا شيء مما يُغضب الله، أو أمرٌ تُنتهك به شريعة الله. ووالله - يا إخواني - لو عملنا بهذه السورة لسعدنا في دنيانا أجمعين، وكنَّا في يوم القيامة إن شاء الله من الفائزين.

وأكتفي بحقيقة واحدة في صدر آية قرَّرها الله عزَّ وجلّ في هذه السورة، وألزم بها المؤمنين – السابقين، والمعاصرين، واللاحقين - في أى بلدٍ أو أى مجتمعٍ من المجتمعات، عليهم أن يطبقوا هذه الحقيقة في كل أوضاعهم وفي كل حالاتهم، ماذا قال الله لنا؟
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (10الحجرات).

كلُّ المؤمنين، كلُّ مَنْ قال: (لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله)، في أى موضعٍ في الدنيا، في أى مكانٍ في الأرض، فهو أخٌ لنا، له حقُّ الأخوة الإيمانية في أعماقنا، وإن لم نَقُمْ بهذا الحقِّ حاسبنا عليه يوم القيامة ربُّنا عزَّ وجلّ.

ما هذا الحق الذي علينا لإخواننا المؤمنين؟
يوضِّح النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم في سُنَّته بعض هذه الحقوق فيقول صلوات ربي وتسليماته عليه:
(المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يُسْلِمُه، ولا يحقره، بحسب أمرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه). (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
صلوات ربي وتسليماته على هذا النبيِّ الذي لا ينطق عن الهوى،
"إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (4النجم).


سمع أصحاب النبيِّ هذه الآيات وإلى تفسيرها من كلام خاتم الأنبياء والمرسلين، فألغوا العصبية الجاهلية، ولم يَعُدْ الواحد منهم يهتم - أول ما يهتم - بالعصبية إلى قبيلته، أو إلى أسرته، أو إلى بلدته، أو إلى دولته، وإنما كانت العصبية لله، ولدين االله، ولكتاب الله، ولكل المؤمنين بالله عزَّ وجلّ.

تعالوا معي إلى واقعة من وقائع المسلمين وهي غزوة بدر: كان من جيش المسلمين في هذه الواقعة مصعب بن عُمير رضي الله عنه، وبعد انتهاء الواقعة مرَّ ليتفقَّد الجيش فوجد أخاه لأمه وأبيه - وكان مشركاً - أسيراً مع نفرٍ من المسلمين، فناداه: يا مصعب استوصي بي خيراً، فالتفت إلى المسلميْن اللذين أسراه وقال لهما: استوصوا بأسيركما خيراً ولا تُفرِّطا فيه، فإن أمَّهُ غنيّة وستفديه بمالٍ كثير. فقال له أخوه لأمه وأبيه معاتباً: أهذه وصيتك بأخيك؟ قال: لستَ أخي، وإنما هؤلاء أخوتى، والإسلام فرَّق بيننا. بعد أخوة الإسلام لا أخوُّة بينهم وخاصَّة بعدما سمعوا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(أدخل الإسلام بلالاً - وهو الحبشي - في نَسَبِي، وأخرج الكُفرُ أبا لهبٍ - وهو عمُّه - مِنْ نَسَبِي).

فنسب الإسلام هو الذي يحرص عليه المسلم على الدوام، لأنه النسب الذي ارتضاه لنا الواحد الملك العلام عزَّ وجلّ.

والحقيقة الثانية في هذا الأمر: كيف نُبجِّل المسلمين؟ ومن الذي يستحق منهم التكريم؟ ومن الذي ينبغي له التبجيل؟ عملوا بقول الله: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ" (13الحجرات) .. التقوى!!
ولما كانت التقوى في القلوب، ولا يطلع عليها إلا حضرة علام الغيوب، فأصبح هذا الأمر غير مطروحٍ بالمرَّة، لأنهم كانوا كلُّ رجُلٍ منهم يعتقد تمام الإعتقاد أن إخوته المؤمنين جميعا خيرٌ منه عند الله عزَّ وجلّ، وخاصَّة بعد قول الحبيب صلى الله عليه وسلَّم:
(لا فرق بين أحمر ولا أسود ولا أبيض ولا أعجمي ولا عربي، إلا بتقوى الله والعمل الصالح). (رواه أحمد عن جابر بن عبدالله)

وكان جالساً صلى الله عليه وسلَّم في ملإٍ من أصحابه، ومرَّ بهم رجُلٌ تبدو عليه الأبَّهة والوَجَاهة، لأنه من الأثرياء في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلَّم لمن حوله:
(ما رأيكم في هذا - وأشار إليه؟ قالوا: هذا حرىٌّ إن خَطَبَ أنْ يُنكح، وإنْ استأذن على الأمراء يُؤذَنُ له، وإنْ تكلَّم يُسمع له. فسكت صلى الله عليه وسلَّم. ومرَّ عليهم بعده رَجُلٌ في ثيابٍ خَلِقَة، لا يبدو عليه إلاَّ الرثاثة، فنظر إليه النبيُّ وقال لمن حوله: وما رأيكم في هذا؟ قالوا: هذا حرىٌّ إن خَطَبَ ألا يُنكح، وإن إستأّذن على الأمراء لايُوذن له، وإن تكلَّم لا يُنصت له. فقال صلى الله عليه وسلَّم: هذا عند الله عزَّ وجلّ - وأشار إلى الأخير - خيرٌ وأعظم من ملء الأرض من مثل هذا - وأشار إلى الغني). (البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه)

"إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ" (13الحجرات)،
فوضعوا أخوة الإسلام هي الأخوة الدائمة لأنها هي الأخوة الباقية في الدنيا والآخرة، وقاموا لهذه الأخوة بحُرماتها وحقوقها وواجباتها لله طلباً لمرضاة الله.

انظر يا أخي إلى ما نحن فيه وما كانوا عليه!!! نرى الأخ من الأب والأم يهجر أخاه، وربما يشكوه في المحاكم، ويقاطع أولاده من أجل ميراثٍ فاني، قطعة أرضٍ أو بضع جنيهاتٍ ورثاها سوياً عن الأبوين!!! بينما نجد الأخوة في الله، يأتي الرجل من بلدة بعيدة، ومن ديارٍ بعيدة، لا علاقة له به، ويدخل المدينة مُسْلِماً، فيذهب الأنصار إلى حضرة النبيِّ، كلُّهم يَوَدُّ أن يستضيف ضيفَ النَّبِيِّ ويُؤآخيه!! لا يُضيِّفه ليلة أو بضع ليالي ويتركه، وإنما يؤآخيه!! حتى قيل في الروايات: أنَّ الرجل كان يجتمع عليه خمسون رجلاً من الأنصار، كلُّ واحدٍ منهم يُريد أن يفوز به.

فكان النبي صلى الله عليه وسلَّم لمَّا يجدُ ذلك يُجري القرعة بينهم، ومن تقع عليه القرعة يفرح كأنه فاز بجائزة عظيمة لأنه فاز بأخٍ في الله!! يأخذه ويصير له أخاً في الدنيا والآخرة، ويأخذه إلى بيته ويقول له:
(هذا مالي ويقسِّمه ويقول له: اختر أيهما شئت، وهذا بيتي ويقسِّمه نصفين ويقول له: اختر ماشئت، وإن كان غير متزوجٍ - وله زوجتان - يقول: انظر إليهما، فأيهما أعجبتك أطلِّقها، وبعد انتهاء عدَّتها تتزوجها).

ما هذا الذي حدث؟
بحبوحة الإيمان!!
انشراح الصدور للإسلام!!
إمتلاء القلوب بنور حضرة الرحمن!!!
الإيمان الذي يقول فيه ربُّ العزِّة عزَّ وجلّ:
"مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا" (52الشورى).

هذا النور الإيماني جعل هذه الوسعة في الصدور، فكانوا فيما بينهم لا غلَّ ولا حقد ولا حسد، ولا شُحَّ ولا طمع، ولا كلمة نابية، ولا عبارة جافية، ولا خصومة ولا مشاجرات ولا مشاحنات!!! انطبق عليهم قول الله - والذي نرجوا أن يعُمَّنا أيضاً في هذه الدنيا إن شاء الله - عن أهل الإيمان الذي ينبغي أن يكونوا عليه في كل زمان ومكان:
"وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ" (47إبراهيم).

تولَّى سيدنا أبو بكر - بعد انتقال الحبيب صلى الله عليه وسلَّم إلى الرفيق الأعلى - الخلافة، وعَيَّنَ قاضياً واحداً لدولة الإسلام، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمحكمة في المسجد، وليس معه حُجَّاب ولا سكرتارية، ولا هناك محامون يدافعون، والراتب كان يُصرف من بيت مال المسلمين كل سَنَة - وأنتم تعلمون جميعاً أننا كنَّا نصنع المثالية في العصور الماضية لمن يقومون بأعمال خيرية لنا في مساجدنا أو في مقابرنا أو غيره - ومرَّ عام، واستدعى الخليفة القاضي ليُعطيه أجره عن العام الذي عمل فيه، فقال القاضي رضي الله عنه:
لا حقَّ لي في هذا المال. قال: ولِم؟ قال: لأنني في هذا العام لَمْ تُعرض علىَّ قضية واحدة. فأراد أن يُبيِّن السبب لمن حوله فقال: ولِم؟!! فقال: إن قوماً آمنوا بربِّهم، وتابعوا نبيَّهم، وجعلوا كلامَ الله وكتابَ الله حَكَمَاً بينهم، لا يحتاجون إلى قاضٍ يحكم بينهم.

ألم يكن بينهم مزوُّرين؟ ألم يكن بينهم كذَّابين؟ ألم يكن بينهم أفَّاكين؟ ألم يكن بينهم مُدلِّسين؟ ألم يكن بينهم ظالمين؟
لم يكن ذلك!! لأنه من كان فيه خصلة من هذه الخصال فقد خرج من دائرة المسلمين. يقول النبي صلى الله عليه وسلَّم في المسلم - لنعرف مَنْ هو المسلم:
(المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ). (البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
لا يؤذي بلسانه مسلماً قطّ!! إن كان بسبٍّ أو شتمٍ أو لعن أو كذبٍ أو تشنيعٍ. ولا يؤذي بيده إن كان بسرقة أو قتلٍ بسلاح أبيض أو غيره. لا يؤذي مسلماً قطّ لأن المسلمين إخوة، فكيف يؤذي إخوته المؤمنين؟ إذا فعل ذلك فقد خرج من دائرة الإسلام عندما يفعل ذلك

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما كان في حجِّة الوداع، خطب حوالي عشر خُطب، مرَّةً بجوار الكعبة، ومرَّةً على عرفات، ومرات في منى، وفي كلِّ خطبة يُكرِّر قولاً واحداً في جميع هذه الخطب: (كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).( رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
إذن مَنْ يَسْتَحِلّ دمَ مسلمٍ ليس بمسلمٍ، مَنْ يَسْتَحِل عِرْضَ مسلمٍ ليس بمسلمٍ، مَنْ يَسْتَحِل مالَ مسلم بغير حقٍّ ليس بمسلم. هؤلاء خرجوا من دائرة الإسلام، وإن كانوا يؤدون العبادات، ويكثرون من الطاعات!! إلاَّ أنهم غُرِّر بهم وخرجوا من دائرة الدين الحنيف، لأن: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ).

انظر إلى أدب الأولين!! حدث خلافٌ بين رجلين من رجال الصحابة - وهما سيدنا خالد بن الوليد وسيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما - والمنافقون موجودون في كل زمان، وإن كانوا في عصرهم قلِّة وفي عصرنا زادوا كثرة، فذهب أحد المنافقين إلى خالد وقال:
أما سمعت ما قاله عنك عبد الرحمن؟ قال له: وماذا قال؟ قال: قال كذا وكذا وكذا، قال: لا، إن ما بيننا لم يصل إلى ما ذَكَرْتَ.
(يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا) - ولكن لا فجور في الخصومة، فلا يتقوَّل على أخيه، ولا يُشنِّع على أخيه، ولا يحاول أن يُبرَّر فعله وينسب ذلك إلى أخيه، وإنما الأدب التام الذي علمَّه لهم الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. بل إن المنافقين عندما يريدون أن يفرِّقوا بينهم لا يستطيعون، لأن لهم من نور الإيمان دليلٌ وبرهان يكشف كذب أهل الزور وأهل البهتان.

ذهب رجلٌ إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه في قضية، وبعد أن عرضها عليه حَكَمَ له بِحُكْمٍ، وبعد انصرافه من أمام أبي بكر قابله عمر - وهو القاضي – فسأله: ما كنتَ تصنع؟ فقصَّ عليه القضية، فقال: لا، الحكم فيها كذا وكذا. فدخل الرجل - ليصنع فتنة - وقال لأبي بكر: أيكم الخليفة؟ أنت أم عمر؟ قال: أنا الخليفة، واعمل بما أمرك به عمر. سبحان الله!! رجالٌ صدقوا، وَصَفَهُم حبيبُ الله ومصطفاه حيث قال في شأنهم:
(عُلَمَاءٌ، حُكَمَاءٌ، فُقَهَاءٌ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ). (أبو نعيم في معرفة الصحابة والحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق".)

كان فيما بينهم الحكمة البالغة، والمودَّة التامة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم في شأنهم: (إن من أمتي رجالٌ ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيُّون والشهداء لمكانتهم وقُربهم من الله عزَّ وجلّ يوم القيامة. فقال أعرابي: يا رسول الله، رجالٌ ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيُّون والشهداء!! صِفْهُمْ لنا. قال: هم أناسٌ من أمتي، من قبائل شتى، وبُلدان شتَّى، توادُّوا بِرُوحِ الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم، فواللهِ إنَّ وجوهَهُم لنُور، وإنَّهم لعَلَى مَنَابِر من نُورٍ قدَّام عرش الرحمن يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس وهم الآمنون. ثم تلى قول الله عزَّ وجلّ: "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (62: 64يونس).( أبو داود عن عمر رضي الله عنه)

وقال صلى الله عليه وسلَّم: (التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا الهُدى، وشرح صدورنا للإيمان وجعلنا من عباده المسلمين، ونسأله عزَّ وجلّ أن يُحيينا على الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، حتى يتوفانا مسلمين ويُلحقنا بالصَّالحين.

وأشهد إله إلا الله وحده لا شريك، يُحقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.

وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركنا على الملِّة السمحاء والمحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه، ووفقنا للعمل بشريعته واتباع سنته يا الله، واجعلنا ممن يُحشر تحت لوائه يوم الدين، ويفوز بجواره في جنة النعيم، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (10الحجرات).
أَمَرَ الله كلَّ مؤمنٍ أن يسعى - من نفسه بدون طلب ولا استدعاء - للصُلح بين أىِّ مُسْلِمَيْنِ اختلفا قريباً منه، أو علم أمرهما ويستطيع أن يَفْصِلَ بينهما، وإن قصَّر في ذلك يحاسبه الله عزَّ وجل عزَّ وجلّ على ذلك. لِمَ رأيت أخويك فلاناً وفلانا - وأخويك في الإسلام، ولا أقصد في العائلة فقط - يختصمان ولَمْ تتدخَّل لإزالة ما بينهما من شحناء، ألا تعلم أنك لو أصلحت بين مُسْلِمَيْنِ كان خيراً لك من كل العبادات النفلية التي تُوجب محبَّة ربِّ البرية؟!!
كان خيراً لك من قيام الليل، ومن صيام النهار، ومن تلاوة القرآن، ومن أعمال الخير والبرِّ، لأنك أصلحتَ بين نَفْسَين مسلميْن كما طلب الرحمن عزَّ وجلّ في القرآن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم مُقرِّراً هذه الحقيقة: (ألا أدلُكم على ما هو خيرٌ لكم من الصلاة – أى: النافلة – والصيام – أى: النوافل - والصدقة والحج؟ – أى: النوافل، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إصلاح ذات البين). (الترمذي وأبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه)

لأن تقضي بضع ساعة في إصلاح رجلين خيرٌ لك من قيام هذه الليلة من العشاء إلى الفجر في ركوعٍ وسجودٍ لله عزَّ وجلّ، لأن الركوع والسجود لك - وربما لا تحضر فيهما النفس، وربما لا يخشع فيهما القلب، وربما يُصاب بهما الإنسان بداء الغرور، وربما يظُن أنه خيرٌ من غيره فيُحبط عمله - لكن هذا عملٌ إجتباه الله ورضاه.

لأن تقضي بضع دقائق في إصلاح مُسْلِمَيْنِ في النهار خيرٌ من صيام النهار أبد الدهر، لنسارع في هذه القضية التي قلَّ ونَدُرَ في عصرنا من يقوم بها الآن، منهم من يقول: لمْ يستدعِني أحدٌ لها، نقول له: ألا تعلم؟ يقول: أعلم، ولكن لم يَدْعُني أحدٌ للصُلح، ومنهم من يقول: حتى يضع كل واحدٌ شيكاً بمبلغ كذا وكذا من الجنيهات على المنضدة، ويتمُّ الحكم بينهما، ومنهم من يقول كذا وكذا. لكن النبوة لم تشترط ذلك!! وأصحاب النبيِّ لم يفعلوا ذلك!! بل كان كل واحد منهم يسارع مِنْ قِبَلِ نفسه في الإصلاح بين المؤمنين.

قد يقول قائل: إنِّي رجل في نظري وفي نظر غيري ضعيف، وماذا يصنع الضعيف والفتنة بين طائفتين أقوياء؟ أقول له: خُذْ قول الله عزَّ وجلّ: "إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا" (35النساء). لو أردت الإصلاح - بصدقٍ ويقين - فإن الله سيمدُّك بمدده، ويُعينك بعونه، وتستطيع أن تقضي على هذه الفتنة مع أنك في نظر الناس ضعيف!! تأييداً لقول الله الذي أنزله في كتاب الله عزَّ وجلّ.

علىَّ أن أسعى، وإذا رفض أحد الطرفين أحذِّره بقول النَّبِيِّ الأمين، قال صلى الله عليه وسلَّم: (مَنْ جاءه أخوه متنصِّلاً - أي معتذراً - فَلْيَقْبَلْ منه مُحقًّا كان أو مُبطلاً، فإن لم يقبلْ لا يَرد علىَّ الحوض). (الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه) الذي يأتيه أخوه أو يُرسل إليه يريد صلحه ويرفض، لا يرد الحوض على رسول الله.

إذا كان الله جلَّ في عُلاه مهما يرتكب المرء من خطايا على ظهر الأرض إذا قال: تُبتُ يا ربِّ، يقول: وأنا قبلت، ويقول للسماوات وللملائكة عُمَّار السماوات فيم معناه: (بُشرى يا ملائكتي، فقد اصطلح عبدي معي، افتحوا أبواب السماوات لقبول توبته، ولدخول أنفاس حضرته، فَلَنَفَسُ العبد التائب عندي يا ملائكتي أعزُّ من السماوات والأراضين ومن فيهن). ربُّ العزِّة عزَّ وجلّ يأتيه الظالم - الذي لا حدَّ لما ارتكب من المظالم - ويقول: تُبتُ، فيقول الله: وأنا قبلت، فلِمَ لا تكون أنت يا أخي على أخلاق الله؟!!!

إن الله كريم عفُوٌّ يُحب العفو، فلماذا لا تعفو لتنال عَفْوَ الله في الآخرة إن شاء الله؟ لماذا لا تغفر لتنال غُفران الله جلَّ في عُلاه؟ لماذا لا تكون على أخلاق حبيب الله ومصطفاه؟ وقد أمرك الله أن تتأسى به وتمشي على هُداه، وقال له في كتاب الله: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (199الأعراف).

قد تكبِّر النفس والشيطان والناس من حولي الأمر في نفسي ويقولون: أنت لو تنازلت وتصالحت مع فلانٍ ستسقط مكانتك، وستنزل درجتك، وستكون ذلِّة لك. أقول لهم: لا، لقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (مازاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزِّاً) (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.) لا يعفو الإنسان إلا وزاده الله من عَزِّه، لأنه تخلَّق بأخلاق الله وقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (إن الله يحب من خلقه من كان على خلقه).

ولذلك يا إخواني اعلموا علم اليقين أن الأرزاق والبركات تنزل من السماء على المؤمنين إذا سارعوا فيما قلناه، وفي تحقيق ما أمرنا به ربُّ العالمين. إذا نسي المسلمون هذا وتركوا المسلمين - هذا يحُطُّ على ذاك، وهذا يخاصم ذاك، وهذا يرفع الشكايات الكيدية على ذاك، وهذا يُهدِّد بأعمالٍ عُدوانية ذاك - كما نرى الآن - ارتفعت عنا عناية السماء، وحُرِمْنَا البركات في الأرزاق، وكنا - كما نرى جميعاً - في همٍّ وغمٍّ ونكدٍ على الدوام، بسبب حالنا الذي أصبح لا يُرضي الملك العلام عزَّ وجلّ.

فعلينا جماعة المؤمنين أن نصلح أحوالنا حتى تكون بلادنا طيبة، "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ" (58الأعراف). ولو أنا أصلحنا أحوالنا لانطبق علينا قرآن ربِّنا: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ" (96الأعراف)


خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد

لقراءة وتحميل الخطب الاسبوعية لوزارة الأوقاف فضلاً اضغط على هذا الرابط

https://www.fawzyabuzeid.com/%d8%a7%...1%d8%a7%d8%aa/
hgrdl hgYkshkdm td s,vm hgp[vhj o'fm [lum

hgrdl hgYkshkdm td s,vm hgp[vhj o'fm [lum

جميع الحقوق محفوظة وحتى لاتتعرض للمسائلة القانونية بسبب مخالفة قانون حماية الملكية الفكرية يجب ذكر :
- المصدر :
شبكة الشموخ الأدبية - الكاتب : alshmo5 - القسم : مجلة الشموخ الثقافية
- رابط الموضوع الأصلي : القيم الإنسانية في سورة الحجرات خطبة جمعة

 
 

مواقع النشر
 
 


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه الموضوع: القيم الإنسانية في سورة الحجرات خطبة جمعة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
القيم الإنسانية في سورة الحجرات خطبة جمعة alshmo5 مجلة الشموخ الثقافية 0 03-02-2020 08:10 PM
الأمير نواف يوقف سيارته ويشارك مجموعة من الشبان لعب كرة القدم ..صورة العنود الهاجري منتدى الإعلام والأعلام 7 06-20-2011 01:09 AM
الأمير نواف يوقف سيارته ويشارك مجموعة من الشبان لعب كرة القدم ..صورة alshmo5 مجلة الشموخ الثقافية 0 04-11-2011 01:40 AM



Loading...

شبكة الشموخ الأدبية قائمة تغذية RSS - الاتصال بنا - شبكة الشموخ الأدبية - الأرشيف - الأعلى - privacy-policy - About - الاعلانات- - Bookmark and Share
للإتصال والإستفسار أرشفة شبكة الشموخ الأدبية
الكويت 0096599579965 yahoo RSS htmlMAP HTML
 فاكس - الكويت 0096524579965 msn MAP XML sitemap.php
البريد الإلكتروني [email protected] feeds.xml sitemap google tags
اقسام شبكة الشموخ الادبية

منتدى الإسلام - منتدى العام - منتدى الإعلام والأعلام - منتدى الترحيب والمناسبات - منتدى الشعر الشعبي - منتدى المواهب الواعدة - منتدى المحاورة والألغاز - منتدى التراث والمنقول - منتدى المقالات والنقد - منتدى الشعر الفصيح - منتدى الخواطر والنثر - منتدى القصص والروايات - منتدى الأسرة - منتدى الطب والعلوم - منتدى الفن - منتدى الرياضة - منتدى التسلية والترفية - منتدى البرامج والإتصالات - منتدى التصميم والجرافيكس - منتدى مرايا القضايا - دواوين الشعراء - مدونات الكتّاب - مجلة الشموخ الثقافية - مكتبة الشموخ الإلكترونية

كلمات البحث

الشعر الشعبي الشموخ الثقافة التراث الأدب النقد الشعر الفصيح المحاورة الالغاز قصائد صوتية قصائد كتابية دواوين شعرية اخبار الشعراء قصائد صوتية القصة الرواية الشاعرة قصص البادية مقالات مهرجانات صحافة شعراء الخليج شعر غزل مسجات أبيات شعرية المواقع الادبية لقاء الشاعر الخواطر النثر شاعر المليون القنوات الشعرية المجلات الشعرية مهرجان الجنادرية هلا فبراير youtube الشعر وكالة انباء الشعر أنباء الشعراء شعراء ليبراليين الشعر الجاهلي العباسي المعنى سمان الهرج قصيدة الشاعرة دواوين الشاعرات صور الشعراء البادية التراث القبائل بنات الكويت بنات السعوديه بنات الرياض بنات الخبر بنات جده بنات الامارات بنات قطر بنات البحرين بنات عمان بنات لبنان بنات سوريا بنات العراق بنات تركيا بنات مشرف اكسسوارات ازياء عطورات ملابس نسائية مجوهرات قصات شعر صبغة شعر بنات المغرب بنات كول بنات كيوت بنات حلوات جميلات العرب بنات مصر بنات الاردن موضة بنات الخليج صور بنات خليجيات عربيات ممثلات طموحات هاويات داعيات شاعرات مواقع بنات منتديات بنات مواقع نسائية منتديات نسائية دردشة نسائية دردشة بنات الحب حبي الحبيبة قصائد عشق قصائد غرام حبيبتي معشوقتي المحبة بنات للتعارف بنات للزواج بنات للصداقة كتابات نسائية مقالات نسائية مهم للنساء قصص عاشقات روايات حب فقط للنساء مجلات نسائية تاجرات عالمات بائعات مبدعات مغنيات بنات المدينه بنات الجهراء بنات الخالدية بنات الجامعه بنات الثانويه بنات مدارس مشاغبات مشاكسات بنات المجتمع نساء المجتمع بنات الدوحه بنات المحرق بنات المنامه شيخة البنات مكياج عرائس ليلة الزفاف ليلة الدخله اغاني بنات رقص بنات فيديو بنات مشاعر بنات احاسيس بنات رغبات بالزواج بنات google بنات yahoo بنات msn بنات massenger بنات انمي بنات توبيكات جمعة بنات جلسة بنات قهوة بنات حقيقة البنات دموع النساء جوالات بنات

الوصلات والروابط الخاصة بـ : شبكة الشموخ الأدبية ( www.alshmo5.com - www.alshmo5.net - www.alshmo5.org )
جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر الإدارة
جميع الحقوق محفوظة لـ :
شبكة الشموخ الأدبية

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
ظ„ظٹظ†ظƒط§طھ - ط¯ط¹ظ… : SEO by vBSEO 3.5.1 Trans by
Coordination Forum √ 1.0 By: мộнαηηαď © 2011
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009