أعتذر عن الانقطاع عنكم أسبوعين متتاليين أعزائي القراء، فقد انشغلت بالحضور إلى معرض الكويت الدولي للكتاب، وحرصت على التواجد يوميا في الفترة المسائية للالتقاء بالقراء و توقيع كتابي الجديد «يوم تبلى السرائر»، ها قد انتهت أيام المعرض العشرة التي ننتظرها طوال السنة بفارغ الصبر، يلفنا الشوق لملاقاتكم، وسيبقى بداخلنا الحنين إلى السنة المقبلة وأسأل الله تعالى أن يمد بأعمارنا لأحظى بلقائكم مجددا.
تضم السنة 365 يوماً، لكل شخص منا يوم ميلاد واحد في هذه الأيام، يحتفل في البعض، ويستحرمه آخرون، وفي السنة أيضا عيدان لعباد الله المسلمين، يحتفل فيهما كل مسلم على الرغم من عدم اتفاقهم على اليوم المخصص لأحدهما، وفي السنة أيضا أعياد لغير المسلمين، المعنى العام، أن لكل فرد منا الأعياد الخاصة به، والأعياد التي تجمع فئة محددة من الناس، ولا يوجد عيد يجمع البشر على اختلاف انتماءاتهم ودياناتهم ومذاهبهم ولغاتهم سوى عيد الكتاب.
بلا شك لا ابتدع عيدا!، فلست من أهل البدع والأهواء والشعارات، ولا أعني تأليه الكتاب وإعطاءه صفات لأدعو لعبادته، ولا أعني أيضا بأنه علينا ألا نذكر الكتاب إلا مرة واحدة في السنة، فهو الجليس الوفي الذي لا يخونك أو يخذلك أو يحدث انقلابا عليك أبدا، يضيف لك ولا يأخذ منك سوى وقت يمتعك فيه، هو الجليس الهادئ، السامي، الرزين، المليء بالمعرفة، فأحمق من يفضل مجالس الثرثرة على مجالسته!
القصد من ذلك، أننا في العشرة أيام المخصصة للمعرض نعيش فيها عيد الكتاب، هذا المعرض الذي لا يضم إلا أناسا مثقفين قصدوا المعرض لينهلوا ما تجود به الكتب من معرفة، يفوح في أرجائه شذى العلم والأدب، والجميل في السنوات الأخيرة، أن المعرض صار يضم في جنباته كتّاباً كثيرين حرصوا على التواجد يوميا للقاء القراء بشكل مباشر، وانا كنت منهم هي عشرة أيام نحتفل فيها بالكتاب ونعرض ونقبل على ما نملك من ثقافة ورأي و نخاطب أهل الفكر والأدب، يوم من رقي، معرض مختلف عن بقية المعارض، معرض لا يقبل عليه تافه، معرض لا يقبل عليه شخص مهمش لا يملك أسلوبا أو ثقافة أو رأياً سديداً أو معرض لا يحضره إلا شخص واع جاء ليعطي مساحة أكبر للثقافة في عقله، ليكون راقيا لا ينزل إلى مستوى السفهاء أبدا، فقد عزز الكتاب شخصيته لتتسم بالرفعة والرزانة التي لا تقبل محاورة الجهلاء، جميلة فعلا تلك الخصال التي يهديها لك الكتاب، من لم يحضر معرض الكتاب هو الخاسر بلا شك.
لكن ما زالت المكتبات عامرة بالكتب، فمن أراد أن ينهل المعرفة، سيسلك أمهد الطرق وأسهلها في ظل النضوج الفكري والتطور الحضاري، فالمكتبات منتشرة بشكل كبير ولم تعد طرق الحصول على الكتب وعرة، ولم يعد يستلزم المرء التنقل والترحال ليحصل على الكتاب من فلان، لنعطي الكتاب ما يستحق من تقدير، لنأخذ منه أسلوبا مهذبا، وتوسعا في المدارك، وكثرة في حصيلة الكلمات ونضوجاً في الأفكار، ورفعة في الأهداف، لنعطيه وقتا ونأخذ منه حكمة وسموا.
انتهى المعرض، وكم انا حزينة لذلك، فقد عشت أجمل أيام حياتي بين أحضانه، ولن أنسى مواقفه الجميلة، وأجواءه الرائعة، كم أحس فيه بالتقدير، انا ممتنة فعلا لقرائي، الذين اهدوني شعورا يفوق كنوز الدنيا قيمة، شكرا شكرا شكرا لكم.