قالت: علام دمع عينك هاطلُ
قلتُ : الحنين إلى الديار القاتلُ
لا تسأليني ما لنومك هارب
فالهم مني دون نومي حائلُ
طلع الصباح وما هجعت للحظة
صليت فجري في مصيري جاهلُ
وقصدت مكتب قائدي مستعجلاً
يا سيدي ائذن فإني راحلُ
قال البقاء فلا إجازة ترتجى
فلدى العدو مع السلاح جحافلُ
وجلست أعمل رغم أنفي صابراً
والدمع مني في عيوني فاعلُ
عند الظهيرة قال لي في رأفة
اذهب لأهلك ذا بديلك عاملُ
وقصدت أهلي مسرعاً في لهفة
وأبي بذهني لا يبارح ماثلُ
عند الوصال إلى الديار وجدتها
بسوادها وعماد بيتي راحلُ
أقبلت أبكي ما جرى في غربتي
أقضى أبي؟ وأنا الغريب السائلُ
وجرى الصحاب وإخوتي في حرقة
عاد الغريب أبو المنير يحوقلُ
بحر الحروف تلعثمت أشعاره
واحتار رحلي أي أرض ينزلُ
وضممت إخواني الذين أحبهم
مات الحنون فأي ظل نسألُ
رحل الذي يحمي حمانا فجأة
دون الوداع فهل رحيلك يسهلُ
أغمضت عينك في ابتسامة مؤمن
كالحِب نحو حبيبه يستعجلُ
كررتها بلقاء ربي مرحباً
أهلاً بموت باللقاء يعجلُ
وفتحت عينك باحثاً عن صورتي
يا لهف نفسي أي قلب تحملُ
يا لهف نفسي قد حُرمت وداعكم
عند الرحيل وذا اليدين أقبلُ
آهٍ على تلك الصفات حميدة
آهٍ على الأيام كل خير تقتلُ
ولقيت أمي كالجبال شموخها
عند المصائب قلبها يتحملُ
قد آمنت بقضاء رب راحم
حكم الأنام وذاك حكم عادلُ
يحميك ربي يا سراج محبتي
أنت الأميرة صبرها أتمثلُ
ثم التفت إلى الصبايا أنهراً
من دمعهن على الخدود تسيّلُ
رحل الذي في حضنه كم نرتمي
لمن اللجوء وأي حضن يحفل
من كان يغدق خيره في دربنا
ويذود عنا كل شر يقبلُ
بالأمس كان مع الأقارب وجهه
نورا يبدد كل ليل يدخلُ
صلى العشاء مع الآذان مكبرا
ربا كريما في رضاه يُأمِّلُ
و غفا قليلا ثم قام وقلبه
يشتاق وصلا بالحبيب ويسألُ
و دعا الإله لصبية من بعده
أن يقتدوا بخطى الرسول ويعملوا
ثم احتسى نصف الشراب بغصة
فالنوم من بين الجفون يُسلَّلُ
قالت أترقد أمنا فأجابها
عز المنام لعين كهل يسعلُ
ثم اتكى كي يستريح لبرهة
فإذا الكريمة نفسه تترحلُ
وأتت حمامة بيتنا بغطائها
فرأت عيونا في السماء تأمَّلُ
رباه فارحم غربة تحت الثرى
لأبي الحسين وبالحنان يُبدَّلُ
رباه أكرم نزله بمقامكم
أنت الكريم ومن سواك يظللُ
رباه إن فقيدنا من طيبه
غمر الصحاب وللمكارم يحملُ
أدخله ربي في رضاك وأرضه
في منزل للصدق طاب المنزلُ
رباه إني قد حرمت وداعه
أجزل له من غير وجهك يجزلُ
واجمعه بالصحب الكرام بجنة
فيها البقاء مع النبي يكللُ
أيقنت أنَّ لكل حي ميتة
والعفو منك لكل شخص يشملُ
27/1/2010