أنا مؤمن بأن ألأنسان هو ناتج عن خليط من ألأساسيات تربى عليها في بيته ومجتمعه ودراسته وعمله ....
فلقد تربيت في بيت
يحب علوم ألشريعة واللغة ويتثقف بها ويطبقها في كل تصرفاته ويعلمها للناس حيث كان جدي وبأعتباره من عائلة متدينه تمتاز بنسبها ألهاشمي ألأصيل والذي منحه ألأحساس بالمسؤوليه فكان يقول لافائدة للقرابة بدون ألقربه ولافائدة
للنسب بدون ألأنتساب فقد قال تعالى (أن أكرمكم عند ألله أتقاكم) ولأنه تلقى علوم ألشريعة واللغة وألأدب منذ نعومة أظفاره على يد ألمشايخ والعلماء ألبارزين بزمانه وتخرج من عندهم بأعلى ألمراتب فلقد
كان عالما مشهورا ورجلا ورعا تقيا حتى يحكى عن مناقبه ألكثير من ألحكايات وأظهر الله سبحانه علي يديه ألعديد من ألكرامات فأصبح مضرب ألأمثال وملجئا للمحتاجين في منطقته ولذلك درب بيته على هذا ألنهج وربى أولاده على هذه
ألطريقه ومع أن جميع أبناءه صالحين ومجتهدين في عمل ألخير ويحاولون جهد أمكانهم أتباع خطواته ألطيبه ألا أنهم لم يستطيعوا أن يحتلوا مكانته أو أن يكونوا على نصف ماكان عليه وأنا أعتبر ذلك أمرا طبيعيا فهذه سنة ألله في خلقه وأن
ألذي يذهب لايمكن أن يعوض مع أختلاف ألأحتياجات والضرورات والكماليات من جيل ألى جيل والتي ممكن أن تعيق أو تأثر على طلبة علوم ألشريعة وتطبيقها فمثلا جهاز ألتلفاز وكثرة قنواته ألسيئة ونظام ألحكومات ألعلمانيه ومايسمى
بالأنفتاح وصراع ألحضارات وحروبها ألفكرية وتردي مواد ألتعليم وسوء التوجيه وكلما تقدم ألعالم زاد تعقيده وكثرت مشاكله وزدادت مشقة ألعمل وطلب لقمة ألعيش مع تراكم ألمسؤوليات كل هذا أثر سلبا وأخر ألكثير من طلبة علوم ألدين أو
ظهور جيل مثقف أدبيا وفكريا..وماينطبق على جدي من أبي ينطبق على جدي ألآخر من أمي وأن أختلف ألمكان وبعض ألفرعيات ولكن ألمنهج والمبدء لاختلاف فيهما
وكنت أبصرهما جيدا وأأخذ منهما كثيرا وكانا يمنحاني بلاحدود أما بالنسبة لوالدي فلم يكن معي بأول كلمة أنطقها وهي لفظة أبوته لي
حيث أنه جاء في فترة ألخمسينيات وشتد عوده بالستينيات وظهر عنده حب ألشهادة ألجامعيه حيث ظهرت في فترة جيله قيمتها وأهميتها لذلك أكمل كلية ألحقوق وبسبب ألظروف ألتي كان يمر بها وطننا في تلك ألفترة من ألأضطرابات
ألسياسية والشعارات ألقومية والأختلافات ألفكرية والتعدديات الحزبيه والأنقلابات ألثورية ومن بين كل هذا وعلى حين غرة وجد والدي نفسه منفيا عن ألوطن بعيدا عن ألأهل والأحباب ومحكوم عليه غيابيا بالأعدام لمحاولته قلب ألنظام
ألحاكم في وقتها وبقى والدي لسنين طوال عجاف يترع كؤوس ألغربة ألمريرة ولم يدق أحد باب غربته أو بابنا من أولئك أللذين كان يدافع عنهم ويحمل شعارات كرامتهم وحريتهم والتي كان يخطها بدمه على قماش أكفانه والذي لو نجح في
مسعاه لما وصل حال بلدنا على ماهو عليه ألآن وهناك في غربته بقى غارقا في بحارها تتلاعب به أمواج وحدته وحزنه ولم يجد أحدا من أولئك ألذين نذر نفسه لهم من أن يرفع له شراع أويرمي له طوق نجاة
أو يشكره أو حتى يسلم عليه فيواسيه وكثيرا ماكنت أقرء مذكراته فلا أدري من يتسابق ألى ألوجدان هل قرائتي أم دمع عيوني بالرغم من أني كنت طفلا لم يعبر ألثامنة من عمره ومع هذا فلقد كنت قارءا جيدا يعرف متى وأين ستمطر
سحائب ألكلمات ألمثقلة بفيض أنين ألأشواق والندم في براري ألنفس المغتربه والتي كان كل خراجها ألبائس ألمرير عائد ألى كاهل والدي ألمظلوم
وكان هذا ألطفل يقرء حتى مابين ألسطور ويتذوق لفظ ألكلام ويتحسس معناه وهذا ماورثته عن أبي وجداي...وفي يوم من ألأيام وأنا جالس مع أمي في بيتنا ألكبير ألذي عصفت فيه رياح ألهموم والأحزان على فقدان صاحبه ألكريم ألمعطاء
والذي كنت فيه كثيرا ماأراقب دموع أمي ألغزيره وأسمع زفرات بكائها ألمخنوق ألخجل حتى لاأسمعها فأحزن أو أشعر بالنقص
تلك ألأم ألتي تزوجت أميرها وفارسها وهي في ألتاسعة عشرة وأستقبلتني بحبها وحنانها وهي في ألعشرين لتودع أبي ألهارب من بطش جلاديه وهي في بداية ألحاديه والعشرين فودعا بعضهما بدموعها ودموعه وحيرتها وحيرته فلا
يعلمان متى يلتقون من جديد أم أن هذا آخر لقاء سيكون فتوادعا وتعاهدا وذهب ذلك ألسيف القاطع وذلك ألصقر ألشامخ وذلك ألمغوار ألأبي وذلك ألعاشق لوطنه وبيته ذهب جريحا مهزوما فأي جرح أبلغ من قهر عزة ألرجال ذهب والدي
ولم أهنأ به ولم يهنأ بي وبقت أمي بوحدة غربتها كما أبي وإن كانت في وطنها لأنها أعتبرته دوما هو ألوطن وألخارطة والحدود وذلك هو دأب ألمرأة ألحرة ألأصيلة ألصالحة وهي كذلك حتى أنها لم تعبر أو تلمس باب ألدار طيلة غياب والدي
لأنها أقسمت أنها لن تصل ألباب حتى تستقبل عنده أميرها ألمفقود عندما يعود ويعيد لها رونقها وحياتها وبعد خمس سنين من حبسها لنفسها تحقق ألفرج والحلم ودخل ألمنادي ألى دارنا وهو يصرخ ويبشرنا بعودة ألحبيب فأستقبلنا ذلك
ألفارس ألهمام لنلقي عن أكتافه ثقل ألمعاناة والقهر ولنضمد جراح حروبه في زمانه ألغادر نعم عاد ألزوج والأب والمعيل والحنين ليرجع ألربيع والفرح لبيتنا ولنا وليعوضنا ونعوضه عن غربته وغربتنا والحقيقة ماعوضني بعض ألشئ عنه بتلك
ألفترة أهتمام أعمامي ألمفرط بي وأجتهادهم ألكبير في تعويضي لحنان والدي ولأنهم كانوا يجدون بي ألصورة ألمصغرة لأخيهم ألأصغر بعمره وألأكبر على قلوبهم
فنصبوني أميرا على أبنائهم وحاكما مطلقا عليهم بالرغم من أني أصغرهم سنا وكانوا يدينون لي بالولاء والطاعة فكرهت ألجلوس مع ألصغار فبدء أعمامي يأخذوني بدواوينهم ومجالسهم لأسمع أحاديث وقصص ألكبار فأنصت لها وأستوعبها
وأتللذذ بها حتى أنهم كانوا يشاورني ألرأي ويأخذون برأيي محاولة منهم لتثقيفي وتعليمي ولجعلي أسبق عمري وقد أفلحوا بذلك ومازلت وسأبقى مدين لهم لما أثروني به من قوة ألشخصية والتعلم والمعرفة فالمجالس مدارس وهذا ما
أدين به أيضا لجداي أللذان علماني حفظ ألقرآن وأصول ألتلاوة وأحكام ألشريعة وبلاغة أللغة وثراء ألأدب ومن علمني حرفا ملكني عبدا فكيف بمن علمني ألكثير ووهبني ألعطاء بدون مقابل وأعود لعودة والدي من سفره بعد أن صدر عنه
ألعفو ألرئاسي حينها مقابل تعهده بالموت إن مارس أي عمل سياسي
فباشر بعطاءه ألسخي لأهل بيته والمقربون وستأنف أعماله وليجتهد في جهاد ألحياة لتوفير أفضل وأقصى سبل ألرفاهية ألمشروعة لعائلته ومساعدة أقاربه ومن يمد أليه يد ألطلب والحاجه ولقد كان مخلصا أمينا مدرارا في ذلك وكنت
أنتظر عطلتي ألمدرسية بفارغ ألصبر لا لألعب فيها أو أتمتع بها أبدا بل لأذهب معه في كل مشاريعه وبأي مكان كانت بالرغم من أستغرابه وأعتراضه ألا أني كنت أجبره على ذلك وخصوصا أني أستغل نقطة ضعفه أتجاهي على أعتباري بكره
وقد حرمت منه وحرم مني لسنين طوال فيجب أن يعوضني بأن أكون معه في كل مكان فيضحك فرحا لأفحامي له وأعجابا لأني عرفت من أي مدخل أهجم عليه
وأجدت في أستغلاله وأستثماره فيضعف أمام كل هذا ويوافق بأن يأخذني معه وأحيانا يحاول ألهرب مني فجرا وعندما يفتح ألباب ألمؤدي ألى حديقتنا والمرآب يجدني واقفا أمامه بجانب سيارته ومعي حقيبة ملابسي وقد جهزت عدتي
فينصدم ويتفاجأ ولا يبقى له منفذا سوى أخذي معه ولذلك تعلمت ألكثير من أدارة أعمال ألمشاريع والتنفيذ وأستعمال وسياقة مختلف ألآليات ألصغيرة منها والكبيرة بالرغم من صغر سني حتى أني في ألثانية عشر من عمري أدرت له
مشروعا كاملا وهو عبارة عن مجمع سكني كبير لموظفي وزارة ألنفط.. وأظهرت براعتي بتنفيذه على أكمل وجه وظهر أتقاني لفن ألسياسة وخصوصا بمعاملتي ألمشهودة لعمال موقعي ألكثيرين ومراقبتهم فالمقصر أقابله بالشدة والحزم
والعقاب على قدر ألخطأ والمتفاني أقابله بالحسنى والتكريم وكثيرا ماكنت أجلس معهم على ألأرض في فترات أستراحتهم لأشاركهم طعامهم ومزاحهم لأني كنت ومازلت مؤمن بأن أللذين يعملون معي يجب أن يشاطروني ألحب والأخلاص
قبل تحقيق ألمصلحه فهذا عندي أهم ألأسباب أو هو ألدافع ألرئيسي لتحقيق وكسب ألرزق ألمستمر وألأساس ألقوي للبناء ألصحيح
ولقد كانت أمنيتي ألكبيرة والوحيدة هي متي أكبر لكي أدير جميع أعمال سيدي وأجعله يستريح ولايحمل هم أي شئ والحمد لله تحققت أمنيتي وأنا في سن ألتاسعة عشرة مني عمري ومازلت بارعا بذلك ومازال كل أعتماده علي بالرغم
من وجود ألآخرين ولكن لحبي له ولأقتدائي به ولأنه بعد عودته رباني تربية عملية ووطنية ولتأثري به أحببت أن أجرب شهادته وحتى مرارة تجاربه فحكمت على نفسي بالغربة أيضا بعد أحتلال بلدي بسنتين ولأسباب كثيرة يطول شرحها
والتي أفخر بها ... والحمدلله
حيث أن والدي لحرصه وخوفه علي وأكثر خشيته هي ليست من جنود ألأحتلال فقط وإنما من بعض أللذين ألمفروض أنهم من أبناء جلدتنا وأللذين نصبوا أنفسهم سادة وأئمة ومسؤولين وديننا ووطنا براء منهم وقد صدق ألقائل عندما قال
فيهم هم للأجانب عبيد وعلى أبناء جلدتهم أسود لذلك فأن والدي قد
أجبرني وخيرني بين أمرين أما ألجلوس في بيتي أوألسفر خارج ألقطر ولأن طاعته فرض وواجب علي ولأني خشيت أن أقهره برفضي فيصيبه مكروه بسببي فلقد أخترت ألهجرة والغربه فهي أهون من ألحبس وأن كان في مملكة موفورة
بالملذات والخدمة فالأحرار والأباة لايطيقون أن توصد عليهم ألأبواب وأن كانت من ألذهب والماس نعم قررت أن أهجر مملكتي وأحبابي ووطني وألأدهى والأمر أني ودعت قبضات سيوفي ورفاقي بالدفاع عن وطني وأسئل ألله أن يغفر لي
ثم أسئل وطني أن يعذرني وأحمد الله وأستغفره على كل شئ وأنا ألآن في دولة مجاورة لبلدي وأن ثورة ألأتصالات ألرهيبة ألآن تقلل من معانتي وتجعلني متتبعا شاملا للصغيرة والكبيرة في وطني وأهلي .. والآن أدير عملي من هذه
ألدولة ألتي أعيش فيها وبشكل جيد إلا أني أعيش وحيدا وكثير ماأحطم جدار وحدتي وسئمي وتأنيب ضميري بمعول ألسفر والرفقه أو ألأنخراط في عملي والأندماج فيه فكما يقولون التعلم في ألصغر كالنقش على ألحجر وأحلى ملذاتي
وراحتي هي ماأجدها في مجهود ألعمل والذي يبدء من ألتاسعه صباحا وحتى ألثامنه مساءا لأذهب بعدها للعشاء والصحبه أو ألى سهرة بريئة مع بعض ألرفقة لأعود لبيتي في ألثانية عشره فأقلب تلفازي على أخبار ألجزيرة والعربية
وبعض ألقنوات العراقيه لأنام بعدها بجفن مثقل بالتعب والحزن كما أني برمجت وضعي في كل شهر بأن تحظى نفسي مني بسفرة وأجازة لمدة أسبوع أذهب فيها لأحد ألدول أو لأحد ألمصايف لأجدد من أفكاري ونشاطي وأحب في غربتي
لقاء ألعراقيين والعرب وأتلقاهم بكل شغف ومحبه وكثيرا مايجذبني صوت عربي ومنه ألعراقي في ألأسواق أو ألمطاعم أو بعض ألأماكن فأذهب لألقي ألتحية والسؤال عن بلده وشعبه وأودعه بالسلام ودعاء ألخير وهذا مما جعلني أتعرف
على ألعديد من أبناء بلدي ومن أخواني ألعرب واللذين هم مثلي يقطنون في هذه ألدولة ألجميله ... أنتهى
الجزء ألأول
مع حبي وتقديري ... عاشق الرافدين
ra,v hgtsjr >>> hg[.x HgH,g hg[sl hgtsjr