( 195 ) مدار الأفكار
أكرم الأمم
يقول الشاعر العربي :
إنِّي لأعتبرُ الإسلام جامعة = للشرق لا محض دينٌ سنَّهُ الله
أرواحنا تتلاقى فيه خافقة = كالنـحل إذ يتلاقى في خلاياه
إن الله قد أسبغ علينا جزيل النعم, وفضَّلنا على سائر البرايا والأمم ، فجعل الأمة الإسلامية القدوة
المثاليَّة في الشيم والقيم ، والمرآة الحقيقية بأقوى الهمم وأنقى الذمم، وهي الأمَّة الوحيدة - كما يقول
الشيخ عبد الغني الجزائري- الّتي توسم بأنَّها سويَّة في صفاتها وسماتها، وخصائصها ومقوِّماتها، وسنيَّة
في موازينها ومقاييسها، وفي منهاجها وسبيلها، قال تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) ( آل عمران : 110 ) , وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّة،أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ) , قال المناوي: (ويظهر هذا الإكرام في أعمالهم،
وأخلاقهم، وتوحيدهم، ومنازلهم في الجنَّة، ومقامهم في الموقف، ووقوفهم على تلٍّ يشرفون عليهم، إلى غير
ذلك؛ وممَّا فضِّلوا به: الذََّكاء، وقوَّة الفهم، ودقَّة النَّظر، وحسن الاستنباط، فإنَّهم أوتوا من ذلك ما لم ينله أحد
ممَّن قبلهم ) , وقد خصنا الرحيم الرحمن , بالفضل والروح والريحان, وبالقرآن وخير الأديان ,قال
تعالى : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (آل عمران : 85
) , وأرسل إلينا خاتم الأنبياء مُنْزِلاً معه خير الكتب ، متعهداً بحفظه قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون ) ( الحجر :9 ) .فجعل الله القرآن هدىً ونوراً، من آمن به هداه، ومن زاغ عنه
ضل وتاه، قال ابن عباس : ( تكفل الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في
الآخرة ) , وفي الأمة الإسلامية توفرت أسباب الخيريَّة، وتجلت حقيقة العبوديَّة على مراد ومرضاة
ربِّ البريَّة، فاجتباها الله على كلِّ الأمم، ورفعها إلى أعلى القمم، وحباها بمكارم جميلة وكرَّمها
بفضائل جزيلة وخصَّها بخصائص جليلة تمنعها من التَّحيُّز وتنفعها في التَّميُّز؛ ومن هذه الخصائص:
( أنَّها خير الأمم وأكرمها على الله تعالى,وأنها أمة الاعتدال والوسطيَّة ،وهي الشاهدة على الأمم في
الأرض ويوم القيامة ,وصاحبة الفضل الظاهر والجزاء الوافر , وهي الأمة التي اجتباها ربّها
واصطفاها وسماها بما ينفعها إكراما وإفضالا , وهداها إلى خير الأعياد , وشبهت بالمطر خيرا ونفعا
للعباد والبلاد , وأنها شطر أهل الجنّة , وهي الأمة المحفوظة التي لا يضرها من خالفها وخذلها من
الأدعياء أو من آذاها وأساء إليها من الأعداء , فهي مرحومة معصومة وبالستر موسومة , موصوفة
بالسناء المبين وموعودة بالتمكين والنصر المبين ) , قال تعالى: (وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (البقرة 143)، و قال تعالى:
( وَ جَاهِدُوا فِى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ و مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ و فِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ و تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَ ءَاتوُا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج: 78) , و
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ؛ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ) , قَالَ
الطِّيبِيُّ: (وَتَمْثِيلُ الأُمَّةِ بالمَطَرِ إنَّمَا يَكُونُ بالهُدَى والعِلْمِ كما أَنَّ تَمْثِيلَهُ صلى الله عليه وسلم الغَيْثَ
بالهُدَى والعِلْمِ، فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الأُمَّةُ المُشَبَّهَةُ بالمَطَرِ بالعُلَمَاءِ الكَامِلِينَ مِنْهُمْ، الْمُكَمِّلِينَ لِغَيْرِهِمْ،
فَيَسْتَدْعِي هَذَا التَّفْسِيرُ أَنْ يُرَادَ بالخَيْرِ النَّفْعُ، فَلا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا المُسَاوَاةُ في الأَفْضَلِيَّةِ، وَلَوْ ذُهِبَ إِلى
الخَيْرِيَّةِ، فَالمُرَادُ وَصْفُ الأُمَّةِ قَاطِبَةً سَابِقِهَا وَلاحِقِهَا وَأَوَّلِهَا وآخِرِهَا بالخَيْرِ، وَأَنَّهَا مُلْتَحِمَةٌ بَعْضُهَا مَعَ
بَعْضٍ مَرْصُوصَةٌ بالبُنْيَانِ مُفَرَّغَةٌ كَالْحَلْقَةِ الَّتِي لا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا) , وقال العلاَّمة السَّعدي: ( فلهذه
الأمَّة من الدِّين أكمله، ومن الأخلاق أجلُّها، ومن الأعمال أفضلها، ووهبهم الله من العلم والحلم،
والعدل والإحسان ما لم يهبه لأمَّة سواهم، فلذلك كانوا أمَّة وسطا كاملِين معتدِلِين) , وعن معاذ بن
جبل قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة فأطال فيها، فلمَّا انصرف، قلنا : يا
رسول الله أطلت اليوم الصَّلاة، فقال: ( إِنِّي صَلَّيْتُ صَلاَةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، سَأَلْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لأُمَّتِي ثَلاَثًا،
فَأَعْطَانِي اثنَتَيْنِ وَرَدَّ عَلَيَّ وَاحِدَة؛ سَأَلْتُهُ أَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَيْهم عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ
يُهْلِكَهُمْ غَرَقًا، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَرَدَّهَا عَلَيَّ) , وأمَّة الإسلام أمة معصومة,
وذلك بأنَّ الله قد ضمن لها العصمة فلا تجتمع على ضلالة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لاَ يَجْمَعُ اللهُ أُمَّتِي عَلَى ضَلاَلَةٍ أَبَدًا، وَيَدُ اللهِ عَلَى الجَمَاعَةِ ),
وعن أبي بن كعب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالنَّّصْرِ وَالسَّنَاءِ
وَالتَّمْكِينِ، فَمَنْ عَملَ عَملَ الآخِرَةِ للدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) , وإن تأخَّر وجود الأمة
الإسلامية في الدُّنيا فإنَّها السَّابقة لكلِّ الأمم يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( نَحْنُ الآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ ) ,فهذه بعض الخصائص
التي أكرم الله تعالى بها الأمَّة المحمَّدية، والفضائل التي حباها بها بين البشرية، فجعلها نبراسًا ومقياسًا
لكلِّ الأنام، واختبارًا واعتبارًا لكلِّ الأقوام، فهي أكرم الأمم , ومنارة المجد وقمة القمم , ونسأل الله أن
يرزقنا إليها صدق الانتماء، ويهديها حسن الاقتداء بخير الورى وإمام الرسل والأنبياء .
يا أمة الإسلام يا منبع النور = يا حاملة بين الورى مشعل الخير
نجمك سطع بالعز دور ٍ بثر دور = حتى جلى عدلك جميع الدياجير
بين الورى عدلك دحر جاري الجور = يوم المسار بظل عدل الدساتير