( 190 ) مدار الأفكار
حميراء النقاء
يقول الشاعر العربي :
عرض النفاق لعرض أم المؤمنين = وهي البريئة ربة العرض الحصين
جعلت فداك فأنتي عنوان التقى = والطهر والإيمان والعقل الرزين
إن السيدة عائشة رضي الله عنها، قد حازت كل جوانب الفضل ,ونالت سائر وجوه الشرف والحسب
والنسب , فهي بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب القرشي , الإمام الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم , وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن
ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان ) , وكانت عائشة تكنى بأم عبد الله ، ولُقِّبت بالصِّدِّيقة، وعُرِفت بأم
المؤمنين، وبالحميراء لغلبة البياض على لونها , ولدت قبل الهجرة بحوالي تسع سنوات , وأبصرت النور في ظلال الإسلام
كما قالت : (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ) ، ونشأت في بيت أبيها ,وتربت فيه على الأخلاق الإسلامية الفاضلة ,
وفي السنة الأولى بعد الهجرة تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ابنة تسع سنوات, وقد روت عن زوجها الرسول
أحاديث كثيرة جداً يصل عددها إلى (2210) حديث, و كانت تساعد في تعليم النساء كما كانت تجيب على أسئلة الصحابة
وقد قال كبار الصحابة عنها: ( ما أشكل علينا حديث قط ، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً) , وفي فضلها
وفضائلها قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) , وقال أيضا عندما
سأله عمرو بن العاص : أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : (عائشة, قال : فمن الرجال ؟ قال : أبوها ) , وما
كان عليه الصلاة والسلام يحب إلا طيباً، وقد قال : ( لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة
الإسلام أفضل ) , ويقول عطاء بن أبي : (كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة) ,ويقول
التابعي الجليل أبوسلمة بن عبد الرحمن بن عوف: (ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقه في
رأي إن احتيج إليه، ولا أعلم بآية فيما نزلت ولا فريضة من عائشة) ,ويقول عروة بن الزبير بن العوام حواري رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحرام ولا بحلال ولا بفقه ولا بشعر ولا بطب ولا
بحديث العرب ولا نسب من عائشة) , وفي السنة السادسة للهجرة وأثر الانتهاء من غزوة بني المصطلق أشاع عنها أهل
الإفك بعض أقاويل البهتان حتى جاء الوحي موضحا براءتها وتزكيتها بآيات تتلى إلى يوم القيامة تكريماً لها ولكونها بريئةً
طاهرة قال تعالى في سورة النور: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ),وقد حكم ابن عباس بالكفر على من اتهمها بالفاحشة بعد تبرئة الله
لها,وفي فضلها قال العلماء : ( أن ربع الأحكام الشرعية علم منها), وقيل أنها الأكثر علما بأحكام القرآن والحلال والحرام
والفرائض والطب والشعر والنسب ) , وعن علمها يقول الذهبي : (لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في
النساء مطلقاً امرأة أعلم منها ), ويقول الزهري : ( لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء لكان علم
عائشة أفضل ) , وفي البداية والنهاية ذكر ابن كثير العديد من خصائصها منها : ( إن الرسول لم يتزوج بكر سواها , و لم
ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها, ولم يكن في أزواجه أحب إليه منها,وقد أتاه الملك بها في المنام في سرقة من حرير
مرتين أو ثلاثاً يقول له هذه زوجتك، فتزوج منها بأمر ووحي الله سبحانه وتعالى , وكان لها في القسم يومان يومها ويوم
سودة حين وهبتها ذلك تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , و كانت أول من خيرها النبي صلى الله عليه وسلم في
حادثة التخيير المشهورة أن يعطيهن من النعيم والمتاع أو يكون لهن إتباع رسول الله فآثرن رسول الله، كما أن الرسول صلى
الله عليه وسلم مات في يومها وفي بيتها ، وبين سحرها ونحرها ، وجمع إليه بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعات الدنيا
له عليه الصلاة والسلام وأول ساعة من ساعات الآخرة ثم دفن في بيتها, وأنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، بل
هي أعلم نساء الأمة على الإطلاق بلا نزاع في ذلك بين أهل العلم )، و تعد أول فقيهة في الإسلام , وبالرغم من كونها
صغيرة بالسن إلا أنها كانت امرأة نادرة في حفظ الأحاديث وأحكام الدين الإسلامي وتميزت بكبر عقلها وذكاءها وتوقد ذهنها
وشدة ملاحظتها واستنارة فكرها وغير ذلك الكثير من المواصفات التي أهلتها لتكون زوجة رسول الله وحبيبه صلى الله عليه
وسلم , وقد توفيت السيدة عائشة رضي الله عنها في السابع عشر من شهر رمضان سنة 58 هـ وهي في السادسة والستين
من عمرها وبالرغم من إفك وبهتان المتقولين , وحقد المبغضين الظالمين , وكيد الزنادقة والمنافقين , ستظل عائشة
الحميراء منارة الطهر وقدوة النساء , وصورة مضيئة من صور الحياء و العفة والنقاء , فهي الصديقة أم المؤمنين ، وحبيبة
رسول رب العالمين , الطاهرة المُطهَّرة بآيات الكتاب المبين رضي الله عنها وعن أبيها، وعن أمهات المؤمنين والصحابة
أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ِزوج النبي من كل إفـك ٍ أمبـرات = بأمر الذي وسط البحر سيّر الحـوت
في محكم التنزيل سجّـل شهـادات = لاسم ٍ رسخ في هالة الطهر منحوت
الله كتب من فوق سبـع السمـاوات = بـراءة ٍ للطاهـرة حـق مثبـوت