( 188 ) مدار الأفكار
سناء الولاء
يقول الشاعر العربي :
لعمرك إنّي أرى مصرعي = ولكن أغذّ إليه الخطى
أرى مصرعي دون حقّي السليب = ودون بلادي هو المبتغى
إن الشهداء هم رمز العطاء , وعنوان التضحية والولاء ,وتعد الشهادة أفضل درجات الموت وأسمى مراحل
الوفاء والفداء ,قال تعالى: ( وَلاَ تحْسَبَنّ َالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيل ِاللَّهِ أَمْوَتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم ْيُرْزَقُونَ*
فَرِحِين َ بِم َآءَاتَهُم ُاللَّهُ مِن فَضْلِهِ َيَسْتَبْشِرُون َبِالَّذِين َلَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ َخَوْفٌ عَلَيْهِم ْوَلاَهُم
ْيَحْزَنُونَ ) (آل عمران : 168-170 ) , وقال سبحانه وتعالى : ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِك َمَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً )(النساء:69 ) ,
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : الشهداء على بارق ، نهر بباب الجنة،في قبة خضراء ,وقال
عبدة : ( في روضة خضراء – يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً , و حدثنا أبو كريب قال :
( أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة،في كل قبة زوجتان، رزقهم في كل يوم طلعت فيه
الشمس ,ثور و حوت, فأما الثور،ففيه طعم كل ثمرة في الجنة، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة
, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للشهيد عند الله ست خصال , يغفر له في أول دفعة ويرى
مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة
منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه,
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ : قَال َرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : انْتَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِمَنْ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي
سَبِيلِهِ،لاَ يُخْرِجُهُ إِلاّ َإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرَسُولِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ،أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى بَيْتِهِ الَّذِي
خَرَجَ مِنْهُ نَائِلا مَا نَالَ مِن ْأَجْرٍ،وَغَنِيمَةٍ, وَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِصلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ
إِلاَّ جَاءَ يَوْم َالْقِيَامَةِ،وَكَلْمُهُ يَدْمِي،اللَّوْنُ لَوْن ُدَمٍ،وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ) , وَقَالَ رَسُول ُاللَّهِ صلى الله عليه وسلم
: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ أَشُقَّ علَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيل ِاللَّهِ،وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ مَا
أَحْمِلُهُمْ،وَلا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِي،وَلا تَطِيبُ أَنْفُسُهُم ْأَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي) ,وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم) : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ِلَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيل ِاللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمّ َأَغْزُو فَأُقْتَل ُثُمّ َأَغْزُو فَأُقْتَلُ) ,وفي
الثامن من أغسطس عام 1990م أي في مثل هذا اليوم قبل عقدين من الزمن استشهدت سناء عبد الرحمن
الفودري التي تعتبر أول شهيدة كويتية تستشهد أثناء المظاهرات المناهضة للغزو الغادر ,وهي من مواليد
منطقة السالمية عام 1970م وكانت طالبة في كلية التكنولوجيا ,وقد ثارت مع إخوانها وأخواتها ساكني
منطقة الجابرية ضد جنود الاحتلال، وساهمت مساهمة فاعلة في المقاومة،وتزعمت جموع غفيرة من
الكويتيات المتظاهرات والمنددات بالغزو وجرائمه وكانت تقول : ( يجب أن نعمل شيء حتى يعرف صدام
أننا غير راضين عليه ولن نقبل إلا بحكم آل الصباح ,وفي الثامن من أغسطس قامت سناء واغتسلت
وتطيبت وخرجت مع أبناء وبنات منطقتها للمظاهرة وذلك في الساعة الخامسة وخمس دقائق مساء،وفي
الساعة السادسة إلا ثلث،قام جنود الاحتلال بإطلاق النار من مدافعهم الرشاشة على جموع المتظاهرين
لتفريقهم، فأصيبت سناء برصاصة في بطنها وأخذت تؤشر لوالدتها أن تتراجع حتى لا تصاب بأذى فجاء
أحد جنود الجيش الشعبي،وأطلق عشر رصاصات على جسد سناء وتوفت في الحال وقد حملها أخوها بعد
ذلك،إلى مستشفى مبارك الكبير وتم دفنها في مقبرة الصليبخات وكانت تنبعث من دمها رائحة المسك،وبعد
دفنها جاء الأهل إلى المنزل وأخذوا يقلبون أوراقها فوجدوا ورقة بجوار سريرها مكتوب فيها: ( أنها تحب
والديها وأهلها وسوف تستشهد قريبا ) , فعرفوا أن سناء كانت تشعر بقرب استشهادها, قال تعالى : ( وَلاَ
تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيل ِاللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاّ َتَشْعُرُونَ) ( البقرة : 154 ) , وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ : سَأَل َرَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟قَالَ : الإِيمَان ُبِاللَّهِ،قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : ثُمَّ
الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقِيلَ : ثُمَّ مَاذَا؟قَالَ : ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ( , فالتكريم الإلهي للشهيد في الدنيا والآخرة دليل
على سمو ومكانة الشهداء ,وهو اصطفاء واختيار من الله تعالى لعباده المخلصين الأوفياء، وفيه إشارات
خير وبشرى، تطمئن قلوب أهل الشهيد وذويه،وتشحذ همم محبيه، مما يشوق المؤمن لتمني الشهادة في
سبيل الله.
الموت دون الدار عز وشهامة=ولا تبلغه كود النفوس العظيمة
ترى الشهادة والتفاني كرامة=وفيها الشموخ وزود شيمة وقيمة