( 185 ) مدار الأفكار
شعبان الإحسان
يقول الشاعر العربي :
مضى رجب وما أحسنت فيه = وهذا شهر شعبــان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلاً = بحرمتها أفق واحـذر بوارك
من رحمة رب الأنام وعظمة دين الإسلام أن العبادات تتنوّع , و مواسم الخير تتجدد وتتكرر حتى لا يدخل
الملل في نفس المؤمن من العبادة,و شهر شعبان الذي سمي بذلك لتشعب العرب في طلب المياه أوفي الغارات
بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، يعد من أفضل مواسم الخير ففيه تفتح أبواب الخيرات، وتنزل البركات،
وتترك فيه الخطايا ، وتكفر السيئات، وفيه ترفع أعمال العباد إلى رب البريات، فهو شهر يغفل فيه الناس عن
الصوم كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم ,فقد حدث أسامةُ بنُ زيد رضي الله عنهما أنه قال: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ الله لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ
وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» ,و ثبت في
الصحيحين عن عائشة رضِيَ الله عَنْهَا أنها قالت: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ
شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّه», وفي رواية لهما عنها رضي الله عنها: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا» ,
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "جَائِزٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ إذا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يُقَالَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ", وبما
أن شعبان يأتي كمقدمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن
والصدقة، قال سلمة بن سهيل كان يقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان
قال: هذا شهر القُرَّاء، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن , وقال
ابن رجب الحنبلي رحمه الله : " قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان ؛ لئلا يدخل
في صوم رمضان على مشقة وكلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ، ووجد بصيام شعبان قبله
حلاوة الصيام ولذته ، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط ", فلا يجد المرء مشقة وكلفة في صيامه، وكذلك
الحال في بقية الأعمال، فيسن للمرء أن يجتهد في شهر شعبان، حتى إذا أتى رمضان، كان أكثر اجتهادا، ولا
شك أن من حَرَصَ على الصيام في مثل هذه الأوقات، هو أشد حرصا على سائر الطاعات والأعمال
الصالحات، من صلوات مفروضة، ونوافل مسنونة، وأذكار موظفة، وقراءة للقرآن، وصلة للرحم، وإنفاق في
وجوه الخير، وغير ذلك , وفي فضل ليلة النصف من شعبان صحَّت ثلاثة أحاديث : الأول: قول النبي صلى
الله عليه وسلم: «يَطَّلِعُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ
مُشَاحِنٍ» , والثاني: قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر
للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه», وأما الحديث الثالث: فهو قول المصطفى
صلى الله عليه وسلم:«ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيغفر لأهل الأرض،
إلا مشرك أو مشاحن», لذا ينبغي على المسلمَ أن يكثر من الدعاء في هذه الليلة، قال ابن حجر الهيتمي
الشافعي-رحمه الله - في الفتاوى الفقهية الكبرى متحدثاً عن هذه الليلة: "وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا، وَأَنَّهُ
يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ
فِيهَا", ولكن لا يشرع أن يخص المرء ليلة النصف من شعبان بصلاة وقيام، ولا يومها بصيام، ففرق بين فعل
العبادة، وبين تخصيصها بزمان أو مكان، قال رسولنا عليه الصلاة والسلام : «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ
مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» , وقد
ثبت ما يدل على مشروعية الدعاء الإكثار منه فيها , أما الاحتفال بها فليس له أصل في سنة الرسول صلى
الله عليه وسلم ،ولا من فعل أحد من أصحابه ، وما يفعله الناس اليوم من صلاة مخصوصة ،وأذكار معروفة
،وما لحق ذلك من أعمال فهي مخالفة للشرع، و كل ذلك من البدع المنكرة , و حري بالمسلم أن يكثر من
الطاعات ويتعرض لمواسم الخير والنفحات , والعاقل هو الذي يأخذ من حياته لمماته، ومن دنياه لأخرته،
فالدنيا مزرعة الآخرة , فمن زرع فيها ما ينفعه كسب في الآخرة ذخرا و فوزا يرفعه , فمزرعته صارت
خيرًا ونجاة له ومما يروى عن ابن مسعود أنه قال : ( إنكم في ممر من الليل والنهار في آجال منقوصة
وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة فمن زرع خيرًا فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرًا فيوشك أن
يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع) .
يا متبع بين الورى نهج الأخيار= حافظ على هدي النبي تجني الخير
مواسم الإســلام بالخير مدرار = وشـعبان حلّ وتقتفيه التـباشير
عبد العزيز الفدغوش
الأربعـــــاء , 28 يوليو 2010