قام عددٌ من التربويِّين بإجراء العديد من الدِّراسات في محاولةٍ للتعرُّف على أسباب هذه المشكلات السُّلوكيَّة ومصادرها؛ لمحاولة وضْعِ حلول مناسبة لها، فأرجعوا حدوثَ المشكلات السُّلوكيَّة إلى مصدرين:
المصدر الأول: مِن داخل المدرسة، وتتضمَّن هذه الفئةُ المعلِّمَ، الطالب، الإدارة المدرسيَّة، البيئة الفيزيقيَّة للصفِّ، والمادة الدِّراسيَّة.
أمَّا المصدر الثاني: لهذه المشكلات، فهو مِن خارج نِطاق المدرسة، ومن أبرزها في المجتمع: وسائل الإعلام، البيئة الأُسريَّة، ونبدأ بالمصدر الأوَّل داخلَ المدرسة، وأوَّلُ فئاته المعلِّمُ.
مشكلات مصدرها المعلِّم:
فقد يتجنَّب العديدُ من الطلاَّب طرْحَ آرائهم وأفكارهم، ويُفضِّلون عدمَ المشاركة، والتفاعل الجماعي؛ خوفًا من سُخرية المعلِّم، وتعليقاته المزرية أمامَ أفراد الصَّفِّ.
إصدار التهديدات:
قد يُصدِر المعلِّمُ - أحيانًا - أوامرَ وتهديداتٍ للمحافظة على النِّظام والانضباط الصفِّي، دونَ تنفيذها؛ كتهديدِ المعلِّم للطَّالب بقوله: "إن لم تكفَّ عن التحدُّث إلى زميلك، فسوف أخفض درجاتِكَ "، ولكن قد لا يُنفذ المعلِّمُ هذا التهديدَ، ربَّما لضعفٍ في شخصيته، أو عدم إعطائِه الصَّلاحيةَ مِن قِبل إدارة المدرسة لاتخاذ الإجراء اللاَّزم.
تناقض سلوك المعلم:
إنَّ عدم محافظة المعلِّم على المثابرة السُّلوكيَّة، والتقلُّب من موقفٍ لآخرَ، متشدِّدًا مع أحدهم، ومتساهلاً مع الآخر - مدعاةٌ للإخلال بالنِّظام، والانتقام من هذا التصرُّف بسلوكيات أسوأَ مِن قِبل الطُّلاَّب؛ للتعبير عن سخطهم، وعدم رِضاهم عن هذه المحاباة من المعلِّم.- عقاب الصفِّ كلِّه بسبب سوء سلوكٍ غير مرغوب فيه مِن أحد الطُّلاب.
مشكلات مصدرها الطالب:
أ - سلوكيات لجذب الانتباه: وذلك حينما يشعر المعلِّمُ بالضِّيق من سلوك الطالب، يبحث الطالبُ عن أنماط سلوكيَّة غير مقبولة؛ لجذب الانتباه.
ب- سلوكيات يبحث من خلالها الطالب عن السُّلطة والقوَّة: وذلك حينما يشعر المعلِّم بالتهديد، وهنا يحاول الطالب المشاغبُ الاستحواذَ على الانتباه بطريقة هدَّامة.
ج - أمَّا المصدر الأساسي الثاني لحدوث المشكلات السلوكيَّة، فهو نابع من خارج نِطاق المدرسة، ونُمثِّل لأبرزها بما يلي:
1 - العنف في المجتمع:
إنَّ انتشار العُنف داخلَ المجتمع بأشكاله المختلفة، وحلَّ المشكلات بطرق متعدِّدة؛ كالقتل والشِّجار، والابتزاز والتهديد - له أثرُه الواضح على سُلوكياتِ الطالب.
2 - أثر وسائل الإعلام.
3 - الافتقار لبيئة أُسريَّة آمنة:
إنَّ عدم وجود البيئة الأُسريَّة الآمنة، وافتقاد أفراد الأسرة للتربية التي تتناسب مع التحوُّل الحاصل في الحياة، والإصرار على تربية الأبناء وفق الطُّرُق التقليديَّة الشائعة في البيئات الموسومة بالجهل، والمفتقرة إلى العِلم الشرعيِّ، واستخدام الظُّلم والقسوة مِن قِبل الوالدَين - له أثره السيِّئ في ترْك بعض المشكلات النَّفسيَّة، وانعكاس ذلك على تصرُّفات الطالب وسلوكياته داخلَ المدرسة.
دراسة الكفاية:
إنَّ المعلِّم عندما يدخل حجرة الدِّراسة ويتعامل مع طلابِه، فإنَّه لا يتعامل مع نوعيةٍ واحدة، وإنما يواجه فئاتٍ مختلفةً، ومِن بين تلك الفئات مجموعة من الطلاب تتصفُ بصفة التشتُّت الذِّهني والسَّرَحان بعيدًا عن موضوع الدَّرْس.
ويقول العلماء في هذا المجال:
إنَّ الطفل الأصغر في السنِّ يكون تركيزُه أقلَّ من الأكبر منه، وذلك ضمن الصفِّ الدِّراسيِّ الواحد، كذلك فإنَّ الطفل الشديد النَّشاط أو الحركة يكون أميلَ إلى الانصراف عن الدَّرس بدرجةٍ أسرعَ من الطالب الثابت أو المتزن.
فينبغي على المعلِّم أن يُعدَّ نفسه للدَّرس إعدادًا جيِّدًا، فلوِ اقترضنا أنَّ لهذا المعلِّم الصِّفاتِ الضروريةَ للمعلِّم القدير، كأن يكون صوته مؤثِّرًا، وتكون طريقته هادفة تثير الاهتمام، وعلاقته طيِّبة بطلابه، فهل هذا يكفي ليؤدِّيَ المعلِّم درسَه بفاعلية؟
بالطبع لا، فإنَّ ذلك لا يكفي، فلا بدَّ له من اختيارِ بعض الوسائل التعليميَّة، والأساليب التي تَزيد من اهتمام طُلاَّبه بالدَّرس، ويركِّز انتباهَهم على بعض الأمور الأساسيَّة؛ فقط يضع المعلِّم خطةً لدرسه.
أخي الفاضل، إنَّ تمكينك من جذب انتباه طلاَّبك يتطلَّب مجموعةً من المهارات السلوكيَّة، تساعدك في إيجاد جوٍّ متفاعل، وفي المحتوى التالي نعرض أهمَّ المهارات المساعدة على تحقيق هذه الكفاية:
1- استخدام أساليبَ مختلفةٍ لجذب انتباه الطُّلاب لبَدءِ الدَّرس:
إنَّ المعلِّم الجيِّد والمنظِّم لإدارة الصفِّ بطريقة فعَّالة يحرص دائمًا على جذب انتباه طلابه في بداية الحِصة قبلَ الشُّروع في الشَّرح، فبإمكانه قبلَ البَدء توجيهُ إشارة، أو كلمة، أو جملة؛ لشدِّ انتباه الطالب المنشغل بأمور جانبيَّة إلى بدء الحِصة كقوله: "لقد بدأ الدَّرس يا أحمد، كن أكثر انتباهًا".
2- إعطاء توجيهات للانتباه من خلال عباراتٍ موجَّهة للطلاب غير المنتبهين:
لا بدَّ من مراعاة التمهُّل لحظة بعد إعطاء إشارة البَدء، حتَّى تصل الرِّسالة إلى الطلاب، ويفهموا المطلوب منهم، فقد يكون أحد الطلاَّب مشغولاً بإخراج كتبه، وآخرُ بتحضير أقلامه، وذلك بجمع دفاتره، ولهذا لا بدَّ من إعطاء مهلة؛ لمساعدة الجميع على اتباع التوجيهات، والأهمُّ من ذلك أن يضع المعلِّم من بين إجراءاته الصفيَّة إجراءً يتعلَّق ببداية الحصة؛ بحيث يكون الطلاب على مقاعدهم، والتوقُّف عن الحديث، ووضْع جميع الأشياء التي يحتاجون إليها قبلَ بَدء الحِصة.
3- البدء مباشرةً بعد انتباه الطلاب دون تباطؤ أو انقطاع أو توقف:
بعد التهيئة النفسيَّة للطلاب، وشعور المعلِّم بانتباه الجميع لا بدَّ أن يبدأ المعلِّم بالشرح دون تأخُّر، أو انقطاع، أو توقُّف لأمر جانبي، لا يخصُّ الصفَّ، كأن يتوقفَ المعلِّم عندَ سماعه لشجار خارجَ الصف، أو مناداة أحد المارِّين أمام الصَّفِّ؛ لأنَّ ذلك من شأنه إبعاد الطلاب عن الجوِّ الدراسي.
4- الانتقال السَّلس من فِقرة إلى أخرى في الوقت المناسب دون تباطؤ:
إنَّ الصفَّ الذي يؤدِّي وظيفته التعليميَّة بنجاح يَعكِس ويبرز مدى ما بذله المعلِّم من تنظيمٍ وتخطيط، وتوقيت لتنفيذ الدرس، وممارسة نشاطه بدقَّةٍ وفاعليه.
5- مواجهة الطلاب أثناء الشرح (النظر إليهم):
إنَّ كثيرًا من مشكلات الضبط الصفيِّ تظهر؛ نظرًا لانشغال المعلِّم عن طلاَّبه، ومن مظاهر ذلك إدارةُ الظَّهْر عند الشَّرح، أو تركيز النَّظَر خارجَ الصف؛ ولذا لا بدَّ للمعلِّم أن ينظر إلى طُلاَّبه أثناءَ الشرح، ولا يُدير ظَهرَه إليهم؛ لأنَّ هذا يعطي مجالاً للعبث، وعدم التَّركيز من جانب بعض الطلاَّب.
7- التنويع في درجات الصَّوت:
ينبغي على المعلِّم الكفءِ الناجح الابتعاد عن أُسلوب سرْد المعلومات سردًا رتيبًا، دون الأخذ في الاعتبار حاجات الطلاب واهتماماتهم، وتفاعلهم مع ما يُسبِّب سرحان الطُّلاب وشرودَهم، فقد يكون صوتُ المعلِّم هو نفسه مصدرًا لمشكلة السرحان التي يُعاني منها الطلاَّب، حيث لم يكن معبِّرًا بالدرجة الكافية التي تعمل على إيقاظ الطُّلاَّب، وعلى شدِّ انتباههم للدرس.
8- التنويع في استخدام أساليب المديح في الحِصة الواحدة:
يعدُّ المديح أداةً للتعزيز الفعَّال يكافئ الفرْد على ما قام بإنجازه، ويقوم بتوجيه احترامِ الذَّات عنده، فينبغي على المعلِّم مكافأةُ الطالب الذي يُجيبُ إجابةً صحيحة؛ تقديرًا له، وتحفيزًا لزملائه.
كأن يقول:
- كلمتين؛ مثل: اقتراح جيِّد، فكرة مدهشة، عمل رائع.
- جملة؛ مثل: أنا معجبٌ بإجابتك يا أحمد، كيف توصلَّت إلى هذا الحلِّ يا خالد.