( 174 ) مدار الأفكار
ملك التواضع
يقول الشاعر العربي :
فلو كان للفضل يبقـى كريـم= لما مات من خلقـه الأنبيـاء ُ
تموت النفوس وتبقى الشخوص= وعند الحساب يكـون الجـزاءُ
في 13 يونيو عام 1982م أي في مثل هذا اليوم قبل ( 28 ) عاما رحل عن دنيا العناء والفناء إلى عالم
الخلود والبقاء الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله وطيب ثراه الذي عاش محبا للعرب والمسلمين
وعرف بالعدل والزهد والورع والتقى والخوف من الله تعالى في كل شؤون حياته ,وبحروف من نور يسجل
التاريخ سيرته العطرة ,التي جاءت مع إشراقة مولده بمدينة الرياض في ربيع الأول من عام ( 1331هـ
/فبراير 1913م ) ,وهو الابن الخامس من أبناء الملك عبد العزيز الذكور, وفي كنف والده نشأ و تعلم
القراءة و الكتابة ، و حفظ القران في طفولته ، و درس العلوم الشرعية على يد نخبة من العلماء , وفي عهد
والده اشترك في بعض الحملات العسكرية و المهمات السياسية , و عين رئيسا للوفد السعودي المفاوض في
شأن الخلاف مع اليمن والذي أنتهى بمعاهدة الطائف عام (1353هـ / 1934م) ، كما شارك مع أخيه الملك
فيصل في مؤتمر لندن بخصوص القضية الفلسطينية عام( 1358هـ / 1939م) , وعيِن مستشارا لأخيه
الأمير فيصل عندما كان الثّاني نائب الحجاز وصحبه في عدة رحلات للخارج فأفاد منها كثيرا,وأدار شؤون
محافظة مكة المكرمة نيابة عن الملك فيصل, وسمي ولياً للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء في عام 1965م,
وعقب استشهاد أخيه المـلك فيصل بن عبد العزيز ، بايعـه البيت السعودي و العلمـاء و الأعيان و أبناء
الشعب السعودي ملكا على المملكة في الثالث عشر من ربيع الأول 1395 هـ / الموافق 25 مارس 1975م
، فهو رابع ملوك المملكة العربية السعودية، ورأس مجلس الوزراء الّذي عنده سلطات تنظيميّة وتنفيذيّة ممتلئة
وقد اتّبع سياسات سلفه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في جميع المجالات خاصة فيما يتعلق بحماية
الدولة وتطويرها وتنميتها , وقد حاول جاهداً حل الأزمة اللبنانية عند اندلاع الحرب الأهلية بها عام 1975م
ودعا إلى قمة عربية مصغرة لبحث الموضوع اللبناني إنتهى بقبول دخول قوات الردع العربية إلى لبنان,
وساهم في حل الخلاف الذي نشب بين الرئيسين حافظ الأسد ومحمد أنور السادات, وزار الكثير من دول
العالم لترسيخ العلاقات معها, وقد اهتم بعدد من القضايا على الساحة العربية و الإسلامية ، و كان من أبرزها
قضية فلسطين . و كان له أياد بيضاء في دعم المجاهدين المسلمين في حرب أفغانستان عام 1979م و
مساعدتهم في المحافل السياسية و الإقليمية , و قد مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام
(1401هـ/1981م) , وشارك في أول مؤتمر لمجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي عقد في أبو ظبي في
مايو 1981م ,واستضاف القمة الخليجية الثانية بالرياض في شهر نوفمبر 1981م,وفي عهده عقد مؤتمر
القمة الإسلاميّة الثالث عام 1981م حيث كانت الجلسة الافتتاحية في المسجد الحرام ثم استكملت أعمال
المؤتمر في قصر المؤتمرات بالطائف , وتميز عهده بالرخاء الاقتصادي العميم الذي أسهم في رقى النهضة
الحضارية في شتى المرافق ،ولإيمانه بأهمية بناء الاقتصاد فقد قال : (لأن المؤمن القوى خير من المؤمن
الضعيف فإننا نحرص على بناء قاعدة اقتصادية قوية أساسها و قاعدتها الإنسان السعودي الذي نبني فيه
القدرة على تحديات التعامل مع منجزات العصر ، تلك القدرة التي أصبحت في مستوى رفيع من الأداء) ,
وعن الاهتمام بالحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن قال : (إن المملكة العربية السعودية لفخورة جدا
أن تضع كل إمكاناتها ، وتجند كل طاقاتها من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام ، الذين يحلون في بلادهم و
بين أشقائهم و إخوانهم) وفي عهده شهدت النهضة التعليمية في المملكة العربية السعودية تطورا كبيرا ،
حيث تم افتتاح جامعتي الملك فيصل بالدمام وأم القرى بمكة المكرمة, إضافة إلى زيادة بناء الكليات والمعاهد
العلمية والفنية , ويعد عهده من أجمل وأفضل وأرقى العهود التي مرت بها المملكة والخليج العربي بشكل
عام فقد سمى بـ(عهد الطفرة ) لأنها كانت فترة استثنائية في حياة الشعب السعودي, وفي 21 شعبان عام
( 1402هـ / 13 يونيو1982م) توفي الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله وطيب ثراه , وبقيت
أعماله الإنسانية العظيمة ومواقفه المشرفة المشرقة التي تشكل تاريخا ناصعا في التواضع و العز والأمجاد
والتفاني في سبيل خدمة قضايا الإسلام والأمة العربية .
يا خالد الأمجاد لا زلـت خالـد= بقلوبنا لو للورى ما كتب خلـد
يا ناظر ٍ للشعب بعيـون والـد= عسى مقرّك والجزاء جنة الخلد