(173 ) مدار الأفكار
مناقيد التقليد
يقول الشاعر العربي :
عن المرء لا تسأل و سَلَ عن قرينه= فكـل قريـن بالُمقـارن يقـتـدي
إذا كنت في قوم فصاحـب خيَارَهـم= ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
إن ظاهرة التأثر في زخرف الحضارة الغربية وتقليد الغرب في الفكر والتصور الاعتقاد,وفي الثقافة والتعليم
والاقتصاد,وسائر أمور حياة البلاد والعباد , يعد ّ من أخطر الجبهات التي يشن من خلالها حربا على الثقافة
الإسلامية ,ويدك بمعرفتها معاقل المبادئ والفضيلة,والشيم والقيم الأصيلة,والتقليد كما يعرّفه أرباب اللغة
هو: ( إتباع الإنسان غيره في قول أو فعل أو اعتقاد أو سلوك من غير دليل ولا نظر ولا تأمل ودون إدراك
ووعي ) ,وشرعا يعني: ( أن يتبع الإنسان غيره في حكم شرعي من غير اجتهاد في ذلك الحكم ولا دليل) ,
و قد لا يكون التقليد مذموماً على كل حال؛ بل ينبغي على من لا يقدر على الاجتهاد والنظر في الأحكام
الشرعية أن يتبع غيره من الأئمة المجتهدين كما قال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(النحل :
43 ),وإتباع العامي للإمام والأمة للمجتهد هو نوع من التقليد ,وإنما يذم التقليد في حق من يقدر على
الاجتهاد والنظر في الأحكام، ومن يتبع غيره في باطل أو بدعة أو يتعصب لرأي معين ويحمل الناس
عليه فهنا يمقت, فالتقليد صفة نقص سلبية لا تقع إلا من الجانب الضعيف , وفيه كذلك معاني الانقياد،
والانهزام والإتباع، والتفويض والاستسلام، والتحمل والطاعة العمياء من غير نظر وتمييز بين ما يضر
وما ينفع، ولا تفريق بين ما يوافق الشرع وما لا يوافقه ,وقد ورد النهي عن التشبه والتقليد للكفار في
آيات وأحاديث عديدة وأساليب متنوعة كما جاء ذلك في العدد ( 123 ) من سلسلة ( العلامتيّن ) الصادر
غرة جمادي أول 1431هـ , قال تعالى موضحا خطر التشبه وتقليد الكفار على مصالح الأمة وكيانها: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا
تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران : 118) ,وفي التحذير منهم وعدم الاغترار بخصالهم السيئة وأهوائهم
المضللة قال سبحانه و تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة : 51) ,وفي بيان حقدهم ومكرهم
وتمنيهم الشر للمسلمين قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ
عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ )(البقرة : 109 ),وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم
فهو منهم ) ,وقال أيضا : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب
لدخلتموه " قيل يا رسول الله : اليهود والنصارى؟ قال فمن ),ويرجع علماء المسلمين التقليد الأعمى للغرب
والمتمثل في إتباع شتى ألوان الحياة وأنماط السلوك والأخلاق في المجتمع الغربي من غير اعتبار للعقيدة
والشريعة الإسلامية، إلى أسباب كثيرة من أهمها : (الجهل بحقيقة الإسلام والبعد عن التربية الإسلامية
,والفراغ و تأثير الإعلام,و ضعف عقيدة الولاء والبراء إضافة إلى الانبهار بالتقدم المادي وجهل حقيقة
حضارة الغرب) ,ولعلاج أمراض التشبه وتقليد الغرب يجب إبداع وسائل إعلام عصرية تتناسب مع آلة هذه
الهجمة الشرسة التي ترمي إلى زعزعة الثوابت، ووضع استراتيجية مواجهة كاملة يشارك في تنفيذها:
(البيت، والمدرسة، والجهات التعليمية، والمؤسسات الدعوية،والإرشادية، والجهاز الأمني كذلك) ,كما يجب
تنشئة الفرد تنشئة إسلامية شرعية صحيحة منذ الصغر،( تربية وتعليماً) ، بحيث يكون لديه الحصانة
الذاتية لرد هذه الشعارات وعدم تقبلها، إضافة إلى قيام العلماء بدورهم في التوجيه وفق هدي الرسول
صلى الله عليه وسلم ونهج السلف الصالح , وتفعيل رسالة المسجد وإعادة دوره كمكان لإيصال العلم
الشرعي لعامة المسلمين بأساليب مسيرة ومتناسبة مع ظروف العصر,والتأكيد على قضية العداوة بين
أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ و بعث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله ,وتوضيح حقيقة إن
التقليد لا يقف عند الحد الظاهر فقط؛ بل إنه يتعداه إلى التأثير على العقائد وأمور القلب,وفي الأمثال
الشعبية يقال : ( التقليد رأس المناقيد ) أي قمة المعائب وذميم الخصال , نسأل الله العلي القدير أن
يجعلنا من المتتبعين لكتابه ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يميتنا على الإسلام .
يا ابن العرب يا كيف للغرب تنقاد= وتنسى العوايد والشيم والتقاليـد
نسيت تاريخ الحضارة والأمجـاد= وأمسيت تبع ٍ تتبـع كـل تقليـد
جنبت يا شين العمل نهج الأجداد= وعرّضت نفسك للخطأ والمناقيد