( 167 ) مدار الأفكار
عميد الرشيد
يقول الشاعر العربي :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته= يوماً على آلةٍ حدباء محمـول
فإذا حملت إلى القبور جنـازةً= فاعلم بأنك بعدهـا محمـول
إن الموت آية عظيمة من آيات الله,خلقه ليكون اختباراً وابتلاءً للعباد ,وجعله النهاية الطبيعية والحتمية لكل
المخلوقات ,فقد قدّر سبحانه لما سواه الفناء , وتفرد وحده بالدوام والبقاء , فجعل لكل بداية نهاية ولكل قوة
ضعفاً ولكل حياة موتاً, قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ
النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور)( آل عمران : 185 ) , وقال عز ّ وجل ّ: ( كل
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ) ( الرحمن : 26 - 27 ) , وقال جلا وعلا: ( تبارك
الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز
الغفور ) ( الملك : 2 ) , وروى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار
فقال له : (ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال: (أبشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق ) وقال صلى الله عليه
وسلم: (الموت راحة للمؤمن ) ,وقال أبو الدرداء : (أحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب المرض تكفيراً للخطايا،
وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي ) , ويقول أحد الحكماء : (ثلاثة ليس للعاقل أن ينساهن: فناء الدنيا وتصرم
أحوالها، والموت، والآفات التي لا أمان له منها ) , ويقول حكيم آخر: (إنَّ الدنيا تجودُ لتسلِب, وتُعطي لتأخذ,
وتجمع لتُشَتِت, وتزرع الأحزان في القلوب بما تفاجأ به من استرداد الموهوب ) ,فالموت حق قد كتبه الله
تعالى على عباده، وكل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ,وفي يوم السبت الماضي وعن عمر
يناهز التسعين عاما غيّب الموت النائب السابق محمد أحمد الرشيد بعد مسيرة مضيئة وحافلة بالإسهامات
الوطنية فهو من مواليد عام 1920م وتعلم في المدرسة الأحمدية منذ إنشائها ثم التحق بمدرسة الهداية، وكان
بحارا وتاجرا وصاحب شخصية مميزة عبر تواصله الدائم مع أهل الكويت مما أهّله لدخول المعترك السياسي
بنجاح في بداية الستينيات ,ويعد أحد فرسان مجلس الأمة ومن أبرز رجالات عصر التأسيس وبناء الدولة
الحديثة، وشخصية وطنية ,وقد عرف بنقاء وصلابة الموقف الوطني والنزاهة و نظافة الكف وحب الكويت
,وله مساهماته الواضحة في المسيرة السياسية،ويشهد بذلك عطاؤه المميز ،ومواقفه المشهودة في الدفاع عن
المكتسبات الدستورية ومبادئ العدالة والمساواة في تطبيق القوانين على الجميع خلال عضويته في مجالس
الأمة أعوام( 1963و1971 و1975 و1981 )ودفاعه عن دستور 1962 وحمايته من التنقيح والتعديل
عام1981, ويعتبر صاحب أول استجواب شهدته المسيرة البرلمانية في دور الانعقاد الأول من الفصل
التشريعي الأول، حيث قدمه لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل عبد الله مشاري الروضان حول توزيع 30
قسيمة من فئة 1000 متر في العديلية، واكتفى الرشيد حينها برد الوزير وسحب الطلب, كما يعد صاحب
المطالبة الأولى في تاريخ مجلس الأمة بنظام الدائرة الواحدة عندما تمنى أن تأخذ الحكومة باقتراح الدائرة
الواحدة في جلسة 15 نوفمبر1966. وكان رائدا من رواد التنمية الزراعية وأول من تولى رئاسة اتحاد
المزارعين وكان عضوا مؤسسا في جمعية الشامية التعاونية, وقريباً من هموم الناس متلمساً مشاكلهم وأحلامه
,وعن مآثر الفقيد قال سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح : ( الله يرحم الجميع من أبناء
هذا الوطن والذين خدموا الكويت بكل إخلاص وفي طليعتهم فقيدنا الكبير محمد الرشيد) , وقال نائب رئيس
مجلس الأمة عبد الله الرومي: ( إن محمد الرشيد رجل من رجالات الكويت الخيرين والمكافحين من أجل
حرية الكلمة وحماية الدستور، ومن أجل رفعة بلده الكويت) ,وقال النائب مرزوق الغانم : ( إن العم محمد
الرشيد كان مدرسة في العمل الوطني وأستاذا في الأخلاق والعلم الديني، ومدرسة في الدفاع والنضال عن
المبدأ ), وقال النائب الدكتور علي العمير: ( لا شك بأن المرحوم محمد الرشيد له إضاءات وبصمات
واضحة في تاريخ العمل السياسي الكويتي، وفي تاريخ نهضة الكويت فهو يعتبر من رجالات الكويت الذين
ساهموا مساهمات حقيقية سواء في تنمية البلد أو بمواقفه السياسية الحكيمة) ,وقال النائب السابق أحمد نصار
الشريعان: ( إن محمد الرشيد يعتبر مثالا للسياسي الواثق والحكيم والطموح والمؤمن بالرأي والرأي الآخر،
وقدم الكثير لوطنه وللشعب الكويتي),وبالرغم من رحيل العم محمد الرشيد بجسده إلا أنه بقي مستوطنا القلوب
بأعماله الخالدة و وسيرته العطرة و مواقفه المشرقة المشرفة , ونسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع
رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان .
مرحوم يا رجل المواقـف والأفعـال= الله يبيحـك يـا نزيـه الرجاجـيـل
لك موقف ٍ مشهود في زود الأنفـال= يا صادق الوقفـات بيـن المشاكيـل
عسى الولي يجزاك في حسن الأعمال= وتحظى بنعيم الخلد نـزل ومداهيـل