(166 ) مدار الأفكار
قمة الدرعية
يقول الشاعر العربي:
إن ّ التعاون َ للعقـول ِ رديفُهـا= يسعى بها نحو العطاء ِ الأمثـل
لولا التعاون ُ بين أبناء الـورى= لم ْ يُبن َ مجد ٌ في الزمان ِ الأوّل
إن التعاون بين البشر من الفطرة التي فطر الله الناس عليها ,ويعد من مباديء الإسلام ومن أفضل السلوكيات
الإنسانية ,فالتعاون أساس البناء الفعال ، وعنوان السعادة والنجاح , ويحقق سبل الخير والصلاح , و يفوق
في ثوابه بعض الأمور التعبدية لأن التعبد نفعه شخصي أما التعاون فنفعه عام , قال الله تعالى مؤكداً أهمية
التعاون : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)
(المائدة: 2) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توداهم وتراحمهم كمثل الجسد ، إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) , وقال أيضا : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد
بعضه بعضًا ) , وقال صلى الله عليه وسلم : (المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله), وفي الصّحيح عنه
صلى الله عليه وسلم أنّه قال : (والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه من الخير ما يحبّ
لنفسه) ,: يقول ابن مسكويه رحمه الله في ( تهذيب الأخلاق ) : ( إن الحاجة صادقة والضرورة داعية إلى
حال تجمع وتؤلف بين أشتات الأشخاص ليصيروا بالاتفاق والإئتلاف كالشخص الواحد الذي تجتمع أعضاؤه
كلها على الفعل الواحد النافع له ) ,ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إن التّعاون على البرّ والتّقوى
تجمعهما طاعة اللّه وتفرّق بينهما معصية اللّه كما يقولون: تجمعنا السّنّة وتفرّقنا البدعة,وإنّ اللّه ورسوله
أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التّفرقة والاختلاف وأمرا بالتّعاون على البرّ والتّقوى ونهيا عن التّعاون
على الإثم والعدوان),ومن خلال التعاون يتحقق الثواب ويتضاعف الأجر , ويتم غرس الروح الجماعية في
النفوس ،وتحظى المصلحة العامة بالتقديم على الخاصة مع التحذير والتنفير من الأنانية والأثرة , قال ابن
القيم رحمه الله : (إن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع
عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي
يشتركون فيها كالصلاة في جماعة فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة
غيره له في الصلاة فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر بل قد قيل إن
الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والتعاون على البر والتقوى ) ,وقال الإمام القرطبي رحمه الله : (والتعاون على البر والتقوى يكون
بوجوه فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم ويعينهم الغني بماله والشجاع بشجاعته في سبيل
الله وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة «المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى
بذمّتهم أدناهم), وقد قيل : (لا يعجز القوم إذا تعاونوا) ,فالتعاون يكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول
والرأي ),وتحقيقا لروح التعاون وتأكيدا على وحدة المنظومة الخليجية العربية فقد جاء الاجتماع التشاوري
الثاني عشر لقادة دول مجلس التعاون والذي عقد بتاريخ 11 مايو الحالي في قصر الدرعية بالرياض
برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ,ورغم أن اجتماع
القادة قد تناول آخر المستجدات العربية والإقليمية والدولية ,وملف السلام في الشرق الأوسط والعلاقات مع
إيران والملفات المهمة في المنطقة , إضافة إلى مسيرة العمل المشترك بين الدول الخليجية الأعضاء
وتعزيزها في شتى الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية والثقافية , وبذل المزيد
من الجهود لإتمام الاتحاد الجمركي بين دول المجلس إلا أن المواطن الخليجي لا زال ينتظر الكثير من
القرارات التي تحقق تطلعاته وطموحاته وآماله و تعزز مسيرة الوحدة وتعكس ما يصبو إليه من خطوات
تترجم الشعارات التي قام عليها المجلس، من خلال تفعيل القرارات التي تجسد المزيد من التلاحم والتعاون
والتقدم وتؤدي إلى تكامل العمل الخليجي وصولاً إلى الوحدة الخليجية على غرار الوحدات الإقليمية الأخرى
في العالم .
لي فيك يا المجلس طموحات وآمال= وتطلعـات ٍ للتكـامـل مقابـيـل
بين الورى في عزّتك تضرب أمثال= وبك نفنخر يا صرح الأمجاد بالحيل