( 162 ) مدار الأفكار
لهب الغضب
يقول الشاعر العربي :
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا= تسرع ببادرة يومـا إلـى رجـل
وإن بليت بشخص لا خـلاق لـه= فكن كأنك لم تسمـع ولـم يقـل
إن الغضب عدو العقل ,فهو من أسوا الصفات ، وينسي الحرمات ، ويدفن الحسنات ، ويورد البريء الأمور
المهلكات , ويعرّف أرباب اللغة الغضب بأنه نقيض الرضا. ويطلق في العرف على الغيظ والانفعال ,ويقول
الجرجاني: (الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر) ,وقيل هو إرادة الإضرار
بالمغضوب عليه .فهو حالة نفسية تبعث على هياج الإنسان، وثورته قولاً أو عملاً, وهو مفتاح الشرور ورأس
الآثام، وداعية الأزمات والأخطار والخصام, ويرى علماء النفس بأنه شكل من أشكال رد الفعل والاستجابة
التي تتطور لتمكن الناس من التعامل مع التهديدات و تصور الضرر المتعمد أو المعاملة غير العادلة من قبل
الآخرين , فالغضب من صناعة الشيطان, ويلغي المروءة و يشل تفكير الإنسان ، ويحرك في نفسه نوازع
الشر والعدوان، وقد تكاثرت الآثار في ذمه والتحذير منه,قال تعالى : (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن
الجاهلين) ( الأعراف : 199). , وروي أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق وكرر
السؤال، فقال له النبي (لا تغضب ) وكرر الجواب , فالسائل كان يلتمس أنفع وأبلغ وصايا الرسول صلى الله
عليه وسلم والذي لم يزد على قوله: (لا تغضب ), وفي الحث على ضبط النفس وكظم الغيظ قال النبي صلى
الله عليه وسلّم : (ليس الشديد بالصُّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) , وقال أيضا: ( من كظم
غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في أيّ الحور شاء), وقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ) , وقال علي
بن أبي طالب رضي الله عنه: ( الغضب أوله جنون وآخره ندم) , وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:
(لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم). , وقال لقمان
الحكيم : (لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ), ويقول ابن تيمية رحمه الله : ( ما تجرع عبد جرعة أعظم من
جرعة حلم عند الغضب ، وجرعة صبر عند المصيبة ), ويقول ابن القيم رحمه الله : (إذا إقتدحت نار الانتقام
من نار الغضب ابتدأت بإحراق القادح) , و يقول الشيخ صالح بن عبد الرحمن الخضيري : ( إن الغضب
يؤدي إلى التقاطع، وحرمان الرفق، ويفتح أبواب الآثام والفتن، فكم جرَّ من المآسي على الأفراد
والمجتمعات؟,وكم صار سبباً في تفرق الإخوة والإخوان، والأولاد والأزواج) , وقيل: (من أطاع الغضب
أضاع الأرب) , ويوصي عقلاء العرب بتأخير العقوبة إلى حال الرضا,لأن الغضب يولد الحقد في
النفوس،وانطلاق اللسان بالشتم والسب، واليد بالاعتداء والضرب,وقد كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى
أحد ولاته: ( لا تعاقب عند غضبك، وإن غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه، وعاقبه على
قدر ذنبه) , ويقول إبراهام هيشل: (إذا تكلم الغضب،سكتت الحقيقة) ,ويقول روبرت إنجرسول : (الغضب هو
الرياح التي تطفىء شعلة العقل) , ويقول هوراس: ( الغضب جنون مؤقت ) ,ويقول أحد البلغاء: ( أحسن
المكارم عفو المقتدر وَجودُ المفتقر) , ويقول أديب أريب: ( مَنْ ردَّ غضبَه هدَّ مَنْ أغضبه ), ويقول غيره:
(في إغضائك راحة لأعضائك) , ويقول أحد الشعراء: (ليست الأحلام في حال الرضا * إنما الأحلام في حال
الغضب ),ويقول شاعر آخر: (مَنْ يدّعِ الحِلم أغضِبْه لتعرفه * لا ُعرف الحِلْمُ إلا ساعة الغضب ) , ويقول
أبو العتاهية : (ولم أرَ في الأعداء حين اختبرتهم *عدواً لعقل المرءِ أعدى من الغضب ) , ويقول عنترة : (لا
يحمل الحقد من تعلو به الرتب *ولا ينال العلا من طبعه الغضب ) ,وقال محمد بن حماد الكاتب : (فأعجب
من ذا وذا أنني* أراك بعين الرضا في الغضب ),ومما يهيج الغضب: (المراءُ والجدل، والمزاحُ المتجاوز
لحدود الأدب، والتعدي على الآخرين، والعلو والتكبر في الأرض،وغفلةُ الإنسان عن آثار الغضب السيئة،
وترك مجاهدة النفس) , ورغم أن الغضب جمرة تتوقد في قلب الإنسان,وتزيد اشتعالاً بفعل الشيطان ، إلا أن
في هَدْيِ المصطفى صلى الله عليه وسلم العلاج الناجع لكبح جماحها ، وإخماد شرارتها ,ومن ذلك: الاستعاذة
بالله من الشيطان عند الغضب ,فعن سليمان بن صرد (أن رجلين استبَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى
احمرَّ وجه أحدهما فقال صلى الله عليه وسلم : (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم) , ويكون العلاج كذلك بالوضوء لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: ( إن الغضب من
الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأُ النارُ بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ),و قال أيضا : (
إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) ,وجاء عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (عَلّموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)
,ويجب على المسلم ترويض النفس وتدريبها على التحلّي بفضائل الأخلاق، وتربيتها على الحلم والصبر وعدم
الاندفاع أو التسرع في الحكم، وحثّها على التأني. اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يسبق
حلمه غضبه، وعفوه عقابه ,والغضب لا يكون محموداً إلا في حالة واحدة، وهي عندما تُنتهك حرمات الله
سبحانه أو يُعطل حكم من أحكامه، فعندها يكون الغضب محموداً وعلى المسلم أن يغضب لله وأن يثور على
من انتهك محارمه أو اعتدى على حرمات الدين, فقد جاء في الحديث ( ما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن
تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى ) . والغضب انتصارا لله عز ّ وجل وغيرة على المحرمات ودفاعا عن بلاد
الإسلام يعد علامة على قوة الإيمان، ويؤدي لحفظ الأوطان، وسلامة القلوب و الأبدان.
ترى الغضب بين الورى شرّ وآثام= والعاقل اللي يكظم الغيظ ويشـوم
إلا إذا حرمات الإسـلام تنضـام= يغضب لها من قو ّ الإيمان ويقوم