( 158 ) مدار الأفكار
بيرق الشعر
يقول الشاعر العربي :
الشعر ديوان العرب= أبداً وعنوان الأدب
لم أعْدُ فيه مَفاخِري= ومديحَ آبائي النُّجَب
إن الشعر عند العرب يمثل فن اللغة الأول, وهو صوت الأمة المعبّر عن تطلعاتها وأفراحها ,وهمومها
وأتراحها,حيث يجسد أعلى درجات الوعي والذكاء, والفطنة في مدارات الحياة والعطاء, و للشعر منزلة
كبيرة في علوم العربية؛ لأنَّه هيَّأ لها – كما يقول الأستاذ الدكتور أحمد الخراط - مادة واسعة في سبيل
تأصيل مفردات اللغة، وبيان نسيج تركيبها وأوجه استعمالاتها, وقد عني به علماء العربية خدمة للقرآن
الكريم؛ لأنه ديوان العرب ,ومما يروى عن أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله
عنه – أنه قال : (أيها الناس، عليكم بديوانكم لا يضلُّ. فقالوا: وما ديواننا؟قال: شعر الجاهلية فإن فيه
تفسير كتابكم),و قال حَبْرُ الأمة ابن عباس-رضي الله عنه-: (إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في
الشعر فإنه ديوان العرب),ويقول ابن سلام في طبقات فحول الشعراء : ( كان الشعر في الجاهلية ديوان
علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون) , ويقول ابن قتيبة في عيون الأخبار : (الشعر معدن
علم العرب، وسفر حكمتها، وديوان أخبارها، ومستودع أيامها) , وفي كتاب الصناعتين يقول العسكري :
( الشعر ديوان العرب، وخزانة حكمتها، ومستنبط آدابها، ومستودع علومها) ,فالشعر ديوان العرب الأشهر
سطوعا، والأقوى مواكبة للأحداث وحضورا ,فهو سجل اللغة والمآثر ، وبه حفظت الأنساب والمفاخر، ولأن
الشعر ملكة عند العربي وجبلة مستحكمة, يتشبث به وينزع إليه, ما دام يجد إلى النطق سبيلا فإذا لم
يتسن له أن يقول الشعر فصيحا سليما مستقيما قاله بلغته التي تواتيه وبلهجته التي تسعفه وترضيه, لذا
فقد وجد الشعر الشعبي الذي تكمن أهميته في جمال رونقه و قيمته التاريخية فهو سفر يمكن من خلاله
معرفة تفاصيل حياة الناس, وأداة لنقل التجارب والأفكار والإحساس, وله من النفوذ الطبيعي على كافة
الطبقات والسمة المعروفة لدى جميع الأوساط ,وكما يقول الدكتور زياد بن عبد الرحمن السديري : ( مهما
كثرت مزايا الشعر العربي الحديث فستبقى القصيدة الشعبية أدق منه تعبيرا وأصدق تصويرا, ولا أصدق من
قصيدة يتكلم بها الشاعر بلغة تكيفت مع ظروف مجتمعه الخاص فأصبح لألفاظها معان خاصة ودقيقة
يصعب التعبير عنها بأية وسيلة أخرى ) , ويحظي الشعر الشعبي في الخليج والجزيرة العربية باهتمام كبير
, ويجد إقبالا منقطع النظير , فأنشئت له المجالس والدواوين وفتحت له الصفحات الشعبية في أغلب
المطبوعات اليومية والأسبوعية والشهرية ,وخصصت له البرامج عبر الإذاعات والقنوات الفضائية
,وأصبح له مهرجانات خاصة وعلى مدار العام ,ويعد برنامج ( شاعر المليون ) أشهر تلك البرامج الشعبية
على مستوى المنطقة وأكثرها متابعة لاسيما في نسخته الأولى , ويوم الخميس الماضي ختمت نسخته
الرابعة بتسليم البيرق للشاعر الكويتي ناصر بن ثويني العجمي،والذي يعد من الشعراء المميزين ويستحق
التتويج عن جدارة رغم أن آلية البرنامج لا تعتد بقيمة الشعر وجودته فالأفضلية لديهم لمن ( يدفع أكثر )
من خلال الرسائل مدفوعة الثمن مما يقلل من أهمية البيرق والفوز لأن الشاعرية الحقيقية لا يتم تقييمها
وتقويمها من خلال دفع المال من قبل المتسابق وأقاربه و أبناء قبيلته,فالبرنامج أستنزف من خلال
التصويت أموالا طائلة , وأساء للشعر الحقيقي ,وفتح المجال أمام الأثرياء من المستشعرين والأدعياء , كما
أنه كرّس القبلية والقطرية من خلال توزيع المجموعات (في كل مرحلة) وفقا للتفاوت في الجنس والجنسية
والقبيلة, وكذلك تبنى البرنامج – رغم النفي - شعر ( المهايط ) و المديح المبالغ فيه للأشخاص والقبائل
والتغني بأمجاد لا وجود لها غالبا إلا في مخيلة شاعرها المنتظر فزعة القبيلة ووقفتها المادية ,إضافة إلى
أن لجنة التحكيم غير مؤهلة للمهمة لعدم وجود شعراء أو نقاد كبار بين أعضائها, و تجامل كثيرا ويخضع
بعض أعضائها للتأثير القبلي وصرح أحدهم بذلك من خلال البرنامج وأمام الجميع , ومن الأعضاء من
يجهل أبسط فنيات القصيدة الشعبية لأنه خارج محيطها وبيئتها ويصعب عليه فهم مفرداتها أو نطقها
بشكل سليم فضلا عن تقويمها وسبر أغوارها,وقد فضح أحد الشعراء من خلال قصيدته( المدفونة) جهل
أعضاء اللجنة حيث طلب منه شرح النص وتفسيره وعندما رفض وطلب منهم التحليل وفق معرفتهم تم
استبعاده , والأدهى أن الإشراف العام على البرنامج يعود لسيدة عربية لا تعرف شيئا عن الشعر الشعبي
الخليجي وبالرغم من ذلك تقوم بتوجيه كادر البرنامج وتتحكم بنتائج الشعراء ,وبعد مضي أربعة أعوام
على انطلاقة البرنامج أدرك أصحاب الاختصاص أن شاعر المليون ظاهرة تحاول تسطيح الوعي الشعبي
وتجعله يصفق ويلهو محاصرًا بما يقدم له من خلال وسائل بثه المتعددة والمتمثلة في قناة فضائية وموقع
ومنتدى كبير على الانترنت ووكالة أنباء خاصة .
يا شاعـر المليـون بانـت خفايـاك= و( قوقل ) عن المكنون وأخطاك ينبيك
كـم موقـع ٍ عـدد وفنّـد خطايـاك= وحتى على التصويت قول ٍ وتشكيـك
عبد العزيز الفدغوش