( 157 ) مدار الأفكار
أفعال الرجال
يقول الشاعر العربي :
فإذا تحركت الرجال رأيت أفعال الرجال= وإذا تكلمت الشفاه سمعت ميزان المقال
أما إذا سكتوا فأنظار لها وقـع النبـال= يسعون جهدا للعلا ودائما نحو الكمـال
إن الرجولة كما يراها العقلاء وصف يراد به المدح والثناء, فهي تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت
صفات المرء استحق نعت الرجولة الحقة ، وقد وصف الله بذلك الوصف أنبياءه فقال ): وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى) (يوسف : 109 ) , وقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ
رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ( النحل: 43 ) , فالرجولة صفه تليق بأشرف
الخلق الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها، وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا
نفوسهم لربهم , قال عز ّوجل ّ: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُم َّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) ( الأحزاب : 23 ) , وهي وصفة أهل المساجد الأبرار الأطهار الذين لم
تشغلهم العوارض عن الذكر والآخرة) قال تعالى : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ َوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ), (النور : 37 (, والذي يتتبع معنى الرجولة
في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يجد أن أعظم سماتها تتحقق في الذين يغمرهم نور الإيمان
وتعمر قلوبهم تقوى الرحمن, فالرجولة بالهمة لا بالصورة , ولها مقومات عديدة منها: (الإرادة وضبط
النفس,وعلو الهمة والنخوة ,والعزة والإباء و الوفاء, و الجود والسخاء, والإنصاف والتواضع في غير
مذلة ) وكذلك تتجلى الرجولة في الصدق حيث قيل حقيقة الرجل الصدق ومن لم يدخل في ميدانه فقد خرج
من حد الرجولة , وكما يقول ناصر الحجيلان : (يعد وصف الإنسان بأنه "رجل" من أكمل الأوصاف
وأجملها، ولذلك كان وصف الشخص بأنه رجل يعني جمعه لصفات الكمال والرجولة) , وفي مراتب وطبقات
الرجال قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كن عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتهلك) ,وقال علي بن أبي
طالب رضي الله عنه : ( الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، ورعاع همج يميلون مع كل
ريح), ويقول الحسن البصري ) :الناس ثلاثة فرجل رجل وهو ذو الرأي والمشورة , ورجل نصف رجل
وهو الذي له رأي ولا يشاور, وثالث لا رجل وهو الذي لا رأي له ولا يشاور أحدا ), وقال أيضا: (الرجال
ثلاثة: فرجل كالغذاء لا يستغنى عنه، ورجل كالدواء لا يحتاج إليه إلا حينا بعد حين، ورجل كالداء لا يحتاج
له أبدا) ,ويقول الخليل بن أحمد: ) الرجال أربعة: فرجل يدري ويدي أنه يدري فذلك عالم فسلوه، ورجل
يدري ولا يدري أنه يدري فذلك الناسي فذكروه, ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك الجاهل فعلموه،
ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك الأحمق فارفضوه),ويقول خالد بن صفوان : ( الناس ثلاث
طبقات:طبقة علماء، وطبقة خطباء، وطبقة أدباء، ورجرجة بين ذلك يغلون الأسعار، ويضيفون الأسواق،
ويكدرون المياه) ( , ويقول أحد الحكماء) : الأخوان ثلاثة: فأخ يخلص لك وده، ويبذل لك رفده، ويسفرغ
في مهمتك جهده، وأخ ذو نية يقتصر بك على حسن نيته دون رفده و معونته، وأخ يتملق لك بلسانه
ويتشاغل عنك بشأنه، ويوسعك من كذبه و أيمانه ( وقيل : ( الرجال ثلاثة : سابق ولاحق وماحق ,
فالسابق الذي يسبق بفضله , واللاحق الذي لحق بأبيه في شرفه ,والماحق الذي محق شرف آبائه ) ,
ومما يؤسف له حقا أن المدنية وعصر التقنية والاتصال قد ساهمت في إفساد الناس, وقضت على بعض
معالم الرجولة في حياة الشباب في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الشيم والقيم والمكارم وأخلاق الرجال
, وكما يقول الكاتب النصراني كوندي : ( إن العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها ، وأصبحوا
على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات) .
ترى الرجال أفعال يا طيّب الفـال= ما هي صور وأزوال يا نافل الجيل
أحد ٍ على مبداه يـا قـال فعّـال= وأحد ٍ بنو ّ الخير ماله محاصيـل