( 156 ) مدار الأفكار
الأمير الأسير
يقول الشاعر العربي :
ما المرء إلا كالشهاب وضوئه= يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
أتجزع مما أحدث الدهر بالفتى= وأي كريم لم تصبه القـوارع
في الرابع من شهر أبريل عام 968م أي في مثل هذا اليوم قبل (1042) عاما قتل ربّ (السيف والقلم) الأمير
الفارس الشاعر أبو فراس الحمداني وأسمه الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الوايلي الذي ينتمي إلى أسرة
الحمدانيين التي حكمت شمال الشام والعراق في القرن العاشر الميلادي.ويعد أبو فراس الحمداني من أبرز
فرسان وشعراء العصر العباسي فهو من مواليد الموصل عام (320هـ - 932م)، وتوفى والده وهو في
الثالثة من عمره فرباه ابن عمه وزوج أخته، سيف الدولة الحمداني أمير حلب, فنشأ على الفروسية والأدب،
وتلقى العلم على يد اللغوي الكبير ابن خالويه وغيره من العلماء, واشتهر أبو فراس بنظمه للشعر، وتنقل بين
مدن الجزيرة والشام حتى أستقر به المقام في مدينة حلب،وحظي بمنزلة عظيمة لدى أميرها سيف الدولة الذي
قام بتقليده إمارة منبج وحران وأعمالهما وهو في السادسة عشرة من عمره،وكان سيف الدولة يقدره ويحبه
كثيراً ويقدمه على سائر قومه، ولأبي فراس الكثير من المواقف الشجاعة فخاض العديد من الوقائع,واصطحبه
سيف الدولة في كثير من غزواته ضد البيزنطيين، وفي تلك الفترة كانت المواجهات والحروب كثيرة بين
الحمدانيين والروم، وفي إحدى المعارك خان الحظ أبا فراس فوقع أسيراً في مكانٍ يُعرف باسم (مغارة الكحل)
وذلك سنة (347 هـ 959م) فحمله الروم إلى خَرْشَنة،على نهر الفرات، وكان فيها حصنٌ منيع,ولم يمكث في
الأسر طويلاً حيث استطاع الهرب بعد أن ركب جواده وأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، وقد انتصر
العرب على الروم في كثير من المعارك, وبعد مواجهات وجولات كر وفر سقطت قلعته سنة (350 هـ
962م) ووقع أسيراً للمرة الثانية وحُمل إلى القسطنطينية حيث أقام نحواً من أربع سنوات، وفي الأسر قام أبو
فراس بكتابة أشهر أشعاره، وهي(الروميات) والتي تميزت ببساطتها وتجلت فيها العواطف الإنسانية بما حملته
من مشاعر الغربة والأسر والحنين إلي الوطن فقد اتشحت بوشاح الأسى والألم ونضحت بالعنفوان الجريح
وهتفت من خلالها روح البطل الأسير الذي تخلى عنه أقرب الناس إليه فبعد أن كان ملء السمع والبصر في
ميادين حلب فإذا به كسير الجناح، مثقل بالحديد، مرهق بذل الأسر والظلم، وفي سنة (354 هـ 966م) هاجم
سيف الدولة الروم وانتصر عليهم واستعاد إمارته وملكه في حلب، وأسر أعدادا منهم وأسرع إلى افتداء أسراه
ومنهم ابن عمه أبو فراس الحمداني، وبعد مضي سنةٍ على خروج أبو فراس من الأسر توفي سيف الدولة عام
(355 هـ 967م), وكان له مولى يطمع في التسلط أسمه (قرغويه) فنادى بابن سيده أبي المعالي، أميراً على
حلب آملاً أن يبسط يده باسم أميره على الإمارة بأسرها، و أدرك أبو فراسٍ نواياه. فدخل مدينة حمص، فأوفد
أبو المعالي جيشاً بقيادة (قرغويه)، فدارت معركةٌ قُتل فيها أبو فراس, وكان ذلك في ربيع الأول سنة (357
هـ 968م), ويعد أبو فراس الحمداني شاعراً وجدانياً من الطراز الأول , و قد تميزت أشعاره بجمال المعاني
وصدق المشاعر والتي قام برسمها في لوحاته الشعرية بمهارة فتكونت أجمل الصور التي عبرت عن حالاته
المختلفة و تنوعت ما بين فخر وحب ورثاء وشكوى، فكان تألقه في ميدان الشعر وخاصة انه كان لا يقول
الشعر كبقية الشعراء بغرض التكسب من ورائه بل من أجل التعبير بالكلمات والألفاظ عن حالات عاطفية
ومزاجية مختلفة مرت به وأراد التعبير عنها بصدق، وكما يقول الصاحب بن عباد: (بُدئ الشعر بملك، وخُتم
بملك)، ويعني امرأ القيس وأبو فراس، و قال عنه الذهبي: (كانت له منبج، وتملك حمص وسار ليتملك حلب
فقتل في تدمر)، وقال ابن خلّكان: مات قتيلاً في صدد (على مقربة من حمص)، قتله رجال سعد الدولة, فهو
صاحب البيت الشهير: (الشعر ديوان العرب أبداً وعنوان الأدب), و له ديوان من الشعر الجيد، العذب الأنغام،
المألوف الألفاظ الذي يسجل تاريخ حياته ويصور فروسيته ويفخر بمآثره. تنافس مع المتنبي في مدح سيف
الدولة خلال إقامته في بلاطه في حلب وقد نقل وترجم بعض شعر أبو فراس إلى اللغة الألمانية على يد
المستشرق بن الورد.
يا نافل الفرسان يا رمز الأبطـال= يا قاهر العدوان صدق ٍ صمايـل
رغم الغياب اللي طوى بعدك أجيال= لا زال ذكرك حاضر ٍ يا ابن وايـل
عبدالعزيز الفدغوش
الأحد , 4 ابريل 2010