( 153 ) مدار الأفكار
فيصل التضامن
يقول الشاعر العربي :
ما مات َ من في الله يقضي نحبَه ُ= بل في الجنان ِمكرّمٌ مثواه ُ
ترك الحياة بما بها من فتنة ٍ = من أجل ِ ما يرضى به مولاه
يصادف يوم غد الذكرى (35) لرحيل صاحب الجلالة المغفور له بإذن الله تعالى الملك فيصل بن عبد العزيز
آل سعود – رحمه الله وطيب ثراه- والذي شاء الله أن ينقله إلى جواره بتاريخ 25 مارس 1975 م،بعد أن
عمل بكل جهوده وطاقاته في سبيل الدعوة إلى الله، والدفاع عن دينه، وبعد أن أرسى قواعد نهضة المملكة
العربية السعودية المعاصرة على دعائم ثابتة بذل في سبيل إرسائها ما لا يحصى من الجهود والطاقات، والتي
بموجبها انتقل بالمملكة إلى مصاف الدول المتطورة في كل المجالات، مع الحفاظ بإصرار على روح الإسلام
والمثل والتقاليد العربية الأصيلة ، ويعد الملك فيصل الرائد الحقيقي للتضامن الإسلامي في العصر الحديث،
حيث كان مقتنعا بالتضامن فكرة ومنهجاً، وتوافرت لديه آليات تطبيق التضامن الإسلامي، فأخذ يسعى حثيثا
لترسيخ قواعده وإقناع الآخرين به، مما دفع مشروع التضامن الإسلامي إلى الأمام وجعله الخيار الأفضل
الذي يتفق مع ثوابت الأمة ومنهاجها، وتمكن الملك فيصل، الذي حكم بلاده من عام 1964 إلى 1975م، من
تسجيل مواقف مشرفة له في خدمة القضايا العربية والإسلامية، حيث أسهم في لم شمل العرب بعد هزيمة
1967م، ووقف موقفا حازما فيما يتعلق بحرق المسجد الأقصى، كما أنه أول من استخدم سلاح النفط في وجه
المعادين للحق العربي والإسلامي في فلسطين وغيرها، وقد هابه الغرب ونفذ كثيرا من مطالبه العادلة، ويقول
الدكتور مانع بن حماد الجهني، الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي: (إن مشروع التضامن الإسلامي
كان الهم الكبير الذي شغل الملك فيصل طوال حياته السياسية، ولاسيما بعد إن اشتدت حملة الأفكار المستوردة
في المنطقة العربية خاصة الشيوعية، وكان مؤمنا أعمق الإيمان بأن الأمة الإسلامية لا ينهض بها إلا
الإسلام، ولقد تحمل في سبيل دعوته للتضامن الإسلامي عداوة المعارضين وتهم المشككين، ولكنه كان
مؤمنا بما يفعل، ماضيا فيما يعتقد)، وفي رثائه قال الأمير خالد الفيصل : ( لا هنت يا رأس الرجاجيل لا
هنت**لاهان رأس في ثرى العود مدفون , والله ما حطك بالقبر لكن اّمنـت**باللي جعل دفن المسلمين
مسنون , منزلك يا عزّ الشرف لو تمكنـت** فوق النجوم اللي تعلّت على الكون ) ,ويقول صلاح الدين
المنجد في كتابه(أحاديث عن فيصل والتضامن الإسلامي): (لقد كان فيصل بطل الدعوة إلى التضامن
الإسلامي، ولقد لقي في سبيل دعوته هذه مصاعب لا تحد، ومتاعب لا توصف، لكنه كان مؤمنا حقا فيما
يدعو إليه, ما كان يبغي زعامة ولا شهرة، ولا سلطانا ولا ثروة، فتابع سيره في دعوته بذكاء وحذر، وجرأة
وعناد، وحكمة ومرونة، حسب الظروف، واستطاع أن يبلغ هدفه وأن ينتصر)، وما حققه الملك فيصل ـ
رحمه الله ـ في دعوته للتضامن الإسلامي يرقى إلى مصاف المعجزة الجديدة، حيث يقول الدكتور المنجد:
«وفي هذا القرن بدأت معجزة جديدة تحققت على يد رجل عظيم، المعجزة هي كسر القيود التي كانت تمنع
المسلمين في كل مكان في العالم، من العودة إلى ما أمرهم به الإسلام من التعارف والتآلف، والتضامن
والتعاون، والسعي إلى عودتهم أمة واحدة تعود من جديد خير أمة، وأقوى أمة وأنفع أمة، أما الرجل فهو
فيصل بن عبد العزيز». لقد رأى الملك فيصل - كما يقول بدر الخريف- أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن
تنهض وتتحقق لها العزة والكرامة، إلا من خلال عودة حقيقية إلى منابع الإسلام الصافية، كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم والى ما تدعو إليه هذه المنابع من التزام بالإسلام وتضامن بين المسلمين وتعاون
على البر والتقوى لما فيه خير الإسلام والأمة الإسلامية، وفي إطار تفعيل التضامن الإسلامي أنشأ الملك
فيصل منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969م والتي تسعى لتحقيق التضامن الإسلامي على المستوى الرسمي
بين الدول الإسلامية، وإيمانا من الفيصل بأهمية الشباب ودوره في نهضة الأمة وضرورة أن ينشأ على
الإسلام والتضامن الإسلامي، أنشئت الندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 1972م لتحقيق التضامن الإسلامي
بين شباب الأمة المسلمة وتقديم الخدمات لأبناء المسلمين في أنحاء العالم وتنسيق جهود المنظمات الشبابية
والطلابية لتقوية الأمة الإسلامية وتعزيز وحدتها والارتباط فيما بين شعوبها وأقطارها، وقد ظل يرعى
التضامن الإسلامي ومؤسساته ويقدم كل ما يستطيع لتفعيل دورها والوصول بها إلى المستوى المطلوب حتى
استشهاده في الخامس والعشرين من مارس عام 1975م.
لو غبت يا فيصل على مر ّ الأعوام= تبقى بفعلك خالد ٍ حـي ّ معلـوم
يا ناصر ٍ في منهجك دين الإسلام= وعلى جبينك نور الإيمان مرسـوم
على التضامن في مساعيك مقـدام= وتخدم قضايا الدين لو كنت مخدوم