كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه ودخل الصحابى الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وعندما أشرف عليهم قال صلى الله عليه وسلم:
{إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ هَذَا الْبَابَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ}{1}
فدخل وألقى السلام وجلس، ثم قام بعد لحظات، فقال صلى الله عليه وسلم:
{قام عنكم الآن رجلٌ من أهل الجنة}، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما شابٌ نشأ على طاعة الله؛ يُحيى الليل كله فى التهجد والصلاة لهن، وجعل أيامه كلها صيامٌ لله، ويتلو القرآن فى كل ثلاثة أيامٍ مرة من أوله إلى آخره، فقال فى نفسه: ما العمل الذى زاد به هذا الرجل عنى والذى وصفه به النبى صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة؟ فأراد أن يستكشف هذا الأمر فزاره فى بيته وطلب منه أن يبيت عنده على أنه حدث خلافٌ بينه وبين أبيه، وهو فى الحقيقة يريد أن ينظر إلى عبادته وطاعته لله.
وبعد صلاة العشاء انتظر أن يقوم الرجل فلم يقم وظل نائماً، وفى النصف الثانى من الليل وجده يقظاً يتقلب ويتململ ولكنه لا يقوم، فلما إقترب الفجر قام وتوضأ وقال: هيا يا عبد الله نصلى الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفى النهار وجده مفطراً غير صائم، فقال: لعله هذه الليلة كان مجهداً ومتعباً، انتظر
ليلة ثانية فوجده فى الثانية على هذه الهيئة، وفى الثالثة على هذه الكيفية، فقال: لابد من إخباره بالأمر
فقال: يا أخى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول وأنت داخل وأنت خارج أنك رجلٌ من أهل الجنة، فأحببت أن أطلع على العمل الذى فزت به بهذه المنزلة، فلم أجدك زدت عن الفرائض المفترضة شيئاً، فسكت الرجل ثم قال له: لا أزيد عما رأيت، فلما نظر إليه ووجده متعجباً، قال له:
{غير أنى أبيت كل ليلة وليس فى قلبى غلٌ ولا غشٌ ولا حقدٌ ولا حسدٌ لأحدٍ من المسلمين، قال: فبذاك}{2}
أى نلت هذه المنزلة بهذه الأوصاف، وهذه الأوصاف أين تكون؟ تكون فى القلب، إذن طهارة القلب أساس كل خيرٍ وكل برّ وكل معروفٍ وكل فتحٍ ينزل على المرء من الله، لأن الله عندما يطلع علينا أثناء الأعمال لا يطلع على الظاهر فقط، ولكن يطلع على ما فى البواطن، قال صلى الله عليه وسلم:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، - لأنه هو الذى صورها ـ ولا إلى أَمْوَالِكُمْ، - لأنه هو الذى أعطاها - وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ}{3}