ثورة في عالم التطور ؟
يقاس مستوى تقدم أي مجتمع من المجتمعات بمقدار فاعلية حركة الوعي والثقافة في
أوساطه، وعلى أساسها تتحدد مكانة المجتمع عبر رسم خارطة طريق منهجيته،
وعوامل تطوّره وتصاغ سلوكيات أفراده المستمدة من أساسيات موضوعية ترقى الى
مصاف الدول المتقدمة.
فمنذ اللحظة التي ينشأ فيها الارتباط بين الفرد والعالم، يبدأ الوعي بالفعالية ويشرع
بتكوين تراكم من المدركات والمعارف لتعكس طبيعة تفاعله مع العالم، حيث إن الوعي
وراء بقاء الإنسان وحفظ نوعه وتشكيل حضارته لأن نقص الوعي لا شك أنه يساهم
في خلق أنواع من الصعوبات واضطهاد بني البشر لبعضهم الآخر، بل وفي بعض
الأحيان يقف وراء حالات التخلف المترتب على محدودية ومخالفة الرؤى والمفاهيم.
يشير الوعي إلى إدراك الشخص لذاته ولما يحيط به من إدراك مباشر، لأنه أساس كل
معرفة، كما يدل على الفهم وسلامة عقلانية الشخص لنفسه وللبيئة المحيطة به، وفهمه
واحترامه لذاته وللآخرين عند تفاعله معهم، حيث إن جوانبه الإيجابية غاية في
الأهمية وتؤثر تأثيراً نورانياً يلقي به على الوجود الاجتماعي لأنه يشكل النافذة التي
يتعرف الفرد من خلالها على أشياء تتعدى ذاته الفردية، وفي الوقت ذاته لا يخلو المرء
المتسلح بالوعي بأنفاق سلبية تحمله لارتكاب الأخطاء غير الجسيمة لأن من يمتلك
الوعي مهما تراكمت عليه المشكلات الحياتية يبقى متحلياً بالعقلانية التي تأخذه الى برّ
الأمان بفضل الوعي.
فشلت الكثير من الحملات في التأثير على الشرائح المستهدفة، وجذب انتباه الأشخاص
وتعريفهم بالخدمات الجديدة والرسائل القانونية والتوعوية بسبب سوء التخطيط
وافتقاد الابتكار والاعتماد على وسائل تقليدية في توصيل الرسالة الإعلامية، وهذا الأمر
يستنزف مبالغ طائلة التي تم تخصيصها للتوعية والتأثير في سلوكيات الجمهور
والوقاية من المخاطر، التي تهدد حياة وسلامة الفرد والمجتمع، وكان الأجدر أن يبدأ
الوعي بالتطبيق مع الأطفال في المنزل انطلاقاً من الأبوين اللذين هما الركيزة الأولى
لبناء المجتمع وبعد ذلك تعمم الفكرة الى أن يتحقق الهدف.
لا توجد وسيلة إعلامية أكثر تأثيراً من الأخرى فلكل وسيلة جمهورها والنجاح هو
استثمار كل وسيلة وفق خصائصها ومميزاتها وكتابة الرسالة، التي تتناسب مع طبيعتها
وطبيعة الجمهور المتلقي للرسالة من خلالها، فللإعلام بشكل عام دور كبير في زيادة
الوعي والثقافة لدى الشعوب، وإدارات الإعلام والعلاقات العامة في أي مؤسسة من
الإدارات المهمة أيضاً لها دورها في توجيه وتثقيف الأفراد، لذلك تحرص الجهات
الحكومية أو المؤسسات التشريعية على الاهتمام بالإعلام لأنه يبرز ما يتم القيام به وما
يتحقق من إنجازات.
لا غنى عن حملات التوعية لتعديل أو تغيير سلوك الفرد خصوصا في ما يخص أموره
الحياتية أو صحته وغيره من الأمور فمن دون تلك الحملات يتحول المجتمع نحو
التصرف بعشوائية وتتحكم أمور غريبة في سلوكيات الأفراد ويصبح عرضة للتأثر
بثقافات أخرى قد تتبدل مع الوقت ثقافة المجتمع بأكمله.
ليس بالضرورة أن يكون تأثير حملات التوعية بالتثقيف سريعاً وتظهر نتائجه بشكل
فوري فالتغيير في سلوكيات الأفراد ليست بالمهمة السهلة، فالتأثير عادة يكون بصورة
غير مباشرة وهو يأخذ وقتاً طويلاً فقد يأتي الوعي من كلمة أو معلومة أو إضاءة
صغيرة تفتح للمتلقي أفقاً في فضاء المعرفة والحياة، ولكن لا يمكن أن يتنامى الوعي
ويكبر ويتسع ويتأسس إلا إذا كانت هناك قابلية.
ما زال دور الوعي والثقافة غير واضح لدى الكثيرين الذين لا يعتبرونه من أساسيات
الحياة، بل يرونه شأنا كماليا زائدا، والواقع أن حياة الفرد تتأثر بثقافته ووعيه، وكلما
كان أكثر ثقافة ووعياً كانت حياته أرقى وأفضل، فانخفاض المستوى الثقافي يقابله تدنٍ
وانحطاط في المستوى الحياتي العام، وإذا تشكل الوعي بالشكل المطلوب تشكلت معه
الهوية، التي يقول الكثير من المثقفين والباحثين العرب أنها في خطر وهذا أمر طبيعي
فإذا كان المجتمع غير مثقف (بغض النظر عن مدى مستوى التعليم عنده) فإنه سيكون
تحت تهديد طغيان وغزو الثقافات الأخرى.
المؤسسات كافة معنية في ترسيخ مفهوم الوعي بل المجتمع بأسره مسؤول عن هذا
الجانب الحيوي الذي من عدسته المكبرة سنرى جميعاً مدى نضج مجتمعنا وعلينا
متكاتفين في مساعدة برامج الدولة النهضوية لترجمتها على أرض الواقع بغية رفع
مستوى الوعي والثقافة بدءاً من المدارس والجامعات إلى الوزارات كوزارة الشباب
والرياضة.