( 135 ) مدار الأفكار
جبروت الموت
يقول الشاعر العربي:
الموت حق والـدار فانيـة=وكل نفس تُجزى بما كسبت
ما كل ذي حاجة بمدركهـا= كم من يد لا تنال ما طلبت
كتب ذو القرنين لأمه حين حضرته الوفاة مرشدا: أن أصنعي طعاما للنساء، ولا تأكل منهن ّ من أثكلت ولدا،
فلما فعلت ودعتهن لم تأكل منهن واحدة، وقلن: ما منا امرأة إلا وقد أثكلت ما هي له والدة، فقالت: (إنا لله وإنا
إليه راجعون، هلك ابني وما كتب بهذا إلا تعزية لي وتسلية عني)، فالموت من ثوابت الحياة وأمر محتوم
بتقدير الحي القيوم، وهو النهاية الطبيعية لكل المخلوقات قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ
أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَما الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:
185) وقال سبحانه وتعالى: (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(الرحمن:36ـ37))،
وقال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) (النساء: 78)، وقال تعالى: ((قُلْ إِنَّ
الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) (الجمعة: 8)، وقال أيضا: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً
مؤجلاً) (الأعراف:145) وقد جاء ذكر الموت قبل الحياة ليظل المؤمن متذكرا مصيره ومآله فلا يظلم نفسه
بالمعاصي والذنوب ولا تغره الحياة بزخرفها ومغريات الدروب، قال عز وجل: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ)(الملك:1-2)،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات)، يعني الموت، وقال عليه أفضل الصلاة وأتم
التسليم (أتاني جبريل فقال: يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما
شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس)، وعن ابن عمر رضي
الله عنهما أنه قال: كنت جالساً مع رسول الله فجاء رجل من الأنصار، فسلم على النبي فقال: يا رسول الله،
أي المؤمنين أفضل؟ قال: (أحسنهم خلقاً) قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: (أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لما
بعده استعداداً أولئك الأكياس)، ويقول عثمان بن عفَّان- رضي الله عنه -: (الدنيا خضرة، قد شُهِّيَتْ إلى
الناس، ومال إليها كثيرٌ منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا، ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة
إلاَّ من تركها)، ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (نسيان الموت صدأ القلب)، ويقول ابن عمر
رضي الله عنهما (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك
ومن حياتك لموتك)، ويقول أحد المفكرين: (هناك أسباب مختلفة لاحتقار الحياة، ولكن ليس ثمة مبرر لاحتقار
الموت)، وقيل: (ما دخل ذكّر الموت بيتا إلا رضي أهله بما قسم الله لهم وجدوا في أمر آخرتهم)، ومهما عمَّر
الإنسان في هذه الدنيا فانه راحل لا محالة، وتارك خلفه من يتألم لفقده، ويحزن لرحيله. وما بين (27
/12/2003 و27 / 12/ 2009) مرحلة من العناء والشقاء عايشتها وما زلت أكابد قسوتها وأتجرع مرارتها
إثر رحيل نبراس الحياة وشعاع الفؤاد النجل البار (سعود) - رحمه الله – ولكن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع
حزنا، وعندما امتدت يد الموت لتنتزع فلذة كبدي، وضياء نواظري ونبراس حياتي، ومصدر آمالي، وسرّ
سعادتي، أمعنت النظر بعظم المصيبة فوجدت أنه لم يمر أحد على هذه الحياة إلا وذاق طعم هذه الكأس المرة،
من أنبياء وصحابة وأتباع، ورؤوس وأشياع، وعلماء وزهاّد وقراء وعبّاد، وكما يقول الرسول صلى الله عليه
وسلم: (من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب) نسأل الله عز وجل أن يختم حياتنا
بأحب الأعمال إليه، وأن يجمعنا ومن نحب في مستقر رحمته.
يا سعود لو طالت ليالـي غيابـك= طول الزمن عن ناظري ما يغيبّـك
فيض العناء وهموم قلبي تشابـك= وديم الشقاء من غيبتك شابك ٍ شبّك
بين المحاني عامر ٍ بـي مصابـك= يا ساكن الوجدان من طيب مذهبّـك
رحلت عنـي فـي بدايـة شبابـك= وأجري على اللي غيّك حين موجبّك
عسى الولي يا سعود يجزل ثوابـك= وبك يلتقي في جنة الخلـد شايبّـك