( 128 ) مدار الأفكـار
عيدكم مبارك
يقول الشاعر العربي :
يا ليلة العيد كم في العيد من عبـر= لمن أراد رشـاد العقـل والبصـر
يا ليلة العيد أشرق الكون في السحر= وطابع البشر يكسو أوجـه البشـر
شرع الله العبادات والشعائر لحكم عظيمة جليلة,فهي تزكي النفوس ,وتطهر القلوب,وتقرب العباد من ربهم
جل وعلا,ومن فضل المولى ومنته سبحانه أنه جعل لعباده الصالحين مواسم للخير وزيادة الأجر والأعمال
الصالحة,ومن هذه المواسم العشر الأول من ذي الحجة التي أقسم بها الحق عز ّوجل لعظم شأنها وفضل
الثواب فيها فقال : (والفجر وليال عشر ) (الفجر:1),وقال تعالى : (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)(الحج
:2)ويقول ابن كثير -رحمه الله -: (المراد بها :عشر ذي الحجة ),والتي فضّلها الله على سائر أيام العام فعن
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى
الله منه في هذه الأيام العشر,قالوا ولا الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج
بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) وقال ابن حجر -رحمه الله – (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر
ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يأتي ذلك في غيرها
),وفيها يوم عرفة الذي يعد أفضل يوم في السنة كلها ففي رواية ابن حبان رحمه الله عن جابر رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الأيام يوم عرفة),وفيه يكثر عتق العباد من النار ,فقد جاء في
صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم
عرفة) ويعد يوم عرفة أفضل أزمنة الدعاء ,فعن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال
: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) فهو يوم عظيم القدر عند المسلمين وفيه يجتمع الحجيج في صعيد عرفات
وتلهج ألسنتهم بذكر الله والاستغفار والدعاء وقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويباهي الله بهم أهل السماء
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل
السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ),ويستحب لغير الحاج صيام يوم عرفة لما فيه من
الأجر العظيم فقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام لقول النبي صلى الله عليه
وسلم : (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ),فصومه رفعة في
الدرجات ,وتكثير للحسنات ,وتكفير للسيئات أما الحاج فعليه أن يتفرغ للعبادة والدعاء ولا ينشغل فكره وقلبه
بالطعام والشراب وتجهيز ذلك يأخذ منه جل الوقت و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات ),وفي العاشر من ذي الحجة يكون يوم
العيد الذي تزدحم فيه أعمال الخير ففيه أهم أعمال الحجيج من رمي جمرة العقبة ,والطواف بالبيت طواف
الإفاضة ,وحلق أو تقصير الشعر ,وذبح الهدي ,من ثم البقاء في منى،أما غير الحاج فإنه يؤدي صلاة
العيد,ويذبح أضحيته,ويكثر من الحمد والتهليل و يشرع للجميع الإكثار من التكبير والذكر في يوم العيد وأيام
التشريق،فهي أيام ذكر وشكر,ويسن الجهر بها إعلاناً لذكر الله وشكره وإظهاراً لشعائره أما العيد والفرح فيه
فهو من محاسن هذا الدين وشرائعه، فعن أنس رضي الله عنه قال:قدم النبي صلى الله عليه وسلم
ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال : (قدمت عليكم، ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية،
وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: (يوم النحر ويوم الفطر) ويستحب للمسلم التجمل في العيد بلبس الحسن
من الثياب والتطيب في غير إسراف، وأداء صلاة العيد مع المسلمين ,ومن شعائر يوم العيد ذبح الأضاحي
تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه وتعالى : ( فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَر) (الكوثر:2), ويقول سبحانه وتعالى:
(وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ
مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج:36 ),وأيام العيد ليست أيام غفلة
ولهو ، بل هي أيام عبادة وشكر، والمؤمن يتقلب في أنواع العبادة ومن تلك العبادات التي يحبها الله تعالى
ويرضاها صلة الأرحام وزيارة الأقارب وترك التباغض والتحاسد، والعطف على المساكين والأيتام، وإدخال
السرور على الأهل والعيال، ومواساة الفقراء وتفقد المحتاجين من الأقارب والجيران , وكل عام وأنتم بخير
وعيدكم مبارك .
العيد يا رمز الوفاء بالهناء عاد= وعسى يعودك بالفرح دايم العيد
عسى السعد في كل الأعياد ينعاد=ويعمّ خيره طول الأيـام ويزيـد