( 127 ) مـدار الأفكار
شعائر .. و .. بشائر
يقول الشاعر العربي :
إذا حججت بمال أصله دنـس= فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبـل الله إلا كـل طيبـة= ما كل حج لبيت الله مبـرور
إن الحج يعني قصد الكعبة والطواف بها , والتلبية , وقضاء باقي المناسك وقد دعا إليه إبراهيم الخليل عليه
السلام وجعله أصلا في عقيدته التوحيدية , ونتبيّن ذلك من قول الحق سبحانه وتعالى : ( وإذ بوّأنا لإبراهيم
مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود* وأذّن في الناس بالحج
يأتوك رجالا وعلى كل ّ ضامر يأتين من كل ّ فجّ ٍ عميق ) ( الحج : 26 و27 ),وتؤكد أخبار العرب القدماء
أنه على الرغم من شركهم ظلّوا متمسكين بكثير من شعائر ديانة إبراهيم عليه السلام , واستمر ذلك شأنهم
حتى مجيء الإسلام الذي أعاد للحج نقاءه وصفاءه بعد أن طهره من رجس الشّرك والمشركين .
فالحج ركن من أركان الدين وعبادة لا يستقيم دين المرء إلا بها ,قال تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )( آل عمران :97) ,وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة
,وصوم رمضان , وحج البيت ) , ومن أعظم فضائل الحج أنه مذهب للخطايا والسيئات , ومكفر للذنوب
والزلات , يتطهر فيه الحاج من ذنوبه وخطاياه ويرجع منه طاهرا نقيا كيوم ولدته أمه , فعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حج فلم يرفث , ولم يفسق رجع
كيوم ولدته أمه ) , وهذه من أعظم النعم ومن أجل الآلاء إذ أن مغفرة الذنوب ومحو السيئات تقرب العبد من
الجنة وتبعد وجهه عن النار وتجعله من المقربين عند الله , ولذلك كان جزاء الحج المبرور عند الله هو الجنة,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا
الجنة ) , فالحج عبادة جليلة يتطلب قبولها الإخلاص لله جل ّ وعلا , والإتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ,
ويعتبر الحج من أعظم المواسم التي يتربى فيها العبد على تقوى الله عز ّ وجل ّ , وتعظيم شعائره , وحرماته
, قال تعالى : ( ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ( الحج : 32 ) , وأمر الحجيج بالتزود
من التقوى فقال سبحانه : ( وما تفعلوا من خير ٍ يعلمه الله وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتّقون يا أولى
الألباب ) ( البقرة : 197 ) وبيّن أن المعنى الذي شرع من أجله الهدي والأضاحي إنما هو تحصيل هذه
التقوى فقال سبحانه : ( لن ينال الله لحومها ولادماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) ( الحج : 37 ) .والحج يربي
العبد على معاني العبودية والاستسلام والانقياد لشرع الله , فالحاج يؤدي أعمالا غير واضحة المعاني ,
فيتجرد من ملابسه التي اعتادها , ويتجنب الزينة , ويطوف ويسعى سبعة أشواط , ويقف في مكان محدد
ووقت معين , ويدفع كذلك في وقت معين وإلى مكان محدد ويرمي الجمار ويبيت بمنى , وإلى غير ذلك من
أعمال الحج التي يؤديها غير مدرك لمعانيها سوى أنها امتثال لأمر الله , وإتباع لسنة نبيه – صلى الله عليه
وسلم – كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحجر الأسود عندما أراد تقبيله : ( والله إني لأعلم أنك
حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقبلك ما قبلتك ) ,والحج يثير في
النفس الشعور بالأخوة بين المؤمنين , وضرورة الوحدة فيما بينهم ,فالحجاج يجتمعون في مكان واحد وزمان
واحد وهيئة واحدة , يدعون إلها واحدا , غايتهم واحدة , ووجهتم واحدة , فيشعر الحاج أن هذه الأمة تملك من
مقومات الوحدة والاجتماع ما لا تملكه أمة من أمم الأرض وأن بإمكانها أن تصنع الشيء الكثير إذا ما
توحدت الصفوف وتآلفت القلوب واجتمعت الكلمة , وهو شعور عظيم لا يشعر به الإنسان مثلما يشعر به في
هذه المواطن العظيمة , والحج يذكر المؤمن باليوم الآخر وما فيه من أهوال عظيمة يشيب لها الولدان عندما
يرى الإنسان في هذا الموطن زحام الناس واختلاطهم وارتفاع أصواتهم وضجيجهم وهم في صعيد واحد
ولباس واحد وقد تجردوا من متع الدنيا وزينتها , فيذكر بذلك يوم العرض على الله حين يقف العباد في
عرصات القيامة حفاة عراة , وقد دنت الشمس من رؤوسهم , فيحثه ذلك على العمل للآخرة والاستعداد ليوم
المعاد .
حي ّ الذي في موجبات التقى قام= ولبّا النداء وأجاب دعوة إبراهيم
بالحج والعمرة تبع شرع الإسلام= حسب المناسك والهدى والتعاليم
عبد العزيز الفدغوش