آفة الآفات ومشكلة المشكلات ومعضلة المعضلات في كل زمان ومكان : كيف نسلِّم لرجل بالولاية في زمانه؟ هذه هي المعضلة الكبرى فالناس تسلم لشيخ انتقل إلى الرفيق الأعلى ، لكن بشر مثلنا ، لا ، هذه هي المشكلة
الإمام أبو العزائم رضي الله عنه يقول فيها ، وانتبهوا للحكمة :
"عجباً لمن سجد لاثنين فوحَّد ولمن سجد لواحـد فأشرك" ، فالذي سجد لواحد ولم يتحول عنه هو إبليس ، ومن سجد لاثنين هم الملائكة: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} البقرة34
قالوا : سمعنا وأطعنا يا رب ، أطاعوا الأمر فأصبحوا موحدين لأنهم سجدوا تنفيذا لكلام وأمر رب العالمين ، واقتضت إرادة الحق أن الله جعل كنوز معارفه وخزائن لطائفه عند عبيد اختصهم بهذا الفضل
وحتى يبين لنا شأنهم وفضلهم أمر نبياً من أولي العزم _ وهو موسى الكليم _ أن يتجه لواحد منهم وأن يمشي حقباً - والحقبة ثمانون سنة - .ويسأل موسى حضرة الله ويقول : يارب أين أجدك؟ فقال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ، أي عندما تذهب إليهم ستجد كل شيء ، فالله جعل
خزائن خيره في سمائه وأرضه:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف96
فخزائن الخير البترول والمعادن والذهب والفضة والغلال والفواكه كل
خزائن الخير في السماء والأرض أما
خزائن فضله وكرمه وجـوده وبـره ونـوره استودعها في قلوب أوليائه ، أين يضعها؟ في قلوب أوليائه لأنه لا يوجد مكان محصن من الشيطان إلا قلوب الصالحين:
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الإسراء65
ليس له سلطان على هؤلاء القوم فادخر الله كنوز فضله في قلوب أوليائه وأحبابه والصالحين من عباده ، ولا ينال أحد من فضله وكرمه وجوده إلا بالخضوع والتسليم الكامل ظاهراً وباطناً لأحبابه وأوليائه: {
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} النساء65
يلزم التسليم الكامل وهذه هي مشيئة الله ، وإذا اطلعت على دواوين الصالحين أجمعين تجدها على هذه الشاكلة ولذلك كان المريدون والسالكون كل ما يحرصون عليـه أن يكونوا في قلوب الصالحين فينظر إليهم الله فيتفضل عليهم بعطاياه ، لأن العطايا الإلهية والتفضلات الربانية ، منح ومنن من الله وقال فيها الله لحَبيبه ومُصطفاه:
{هَذَا عَطَاؤُنَا} كله معك ، وبعد ذلك ماذا قال له؟
{فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ص39
ولم يقل له : فأعطِ ، ولكن قال: فامنن يعني الذي تعطيه هو منة من عند الله على يدك فما دام السالك ما زال يرى نفسه أنه يعمل كذا ويصنع كذا ويريد المقابل فإنهم يتركونه إلى أن تتهذب نفسه ويسلم تسليماً كلياً فتنهال عليه الهبات والعطاءات من حضرة من يقول للشيء كن فيكون
وهل يوجد فينا من يستحق شيء من الله بغير معونة الله وتوفيق الله وفضل الله؟ ما الذي نفعله بغير هذا؟ إذن فالموضوع كله منن إلهية من الحضرة الإلهية لأهل التسليم بالكلية ، ولذلك كان الصالحون يقولون:
" من تعالى على الرجل في زمانه سلب إيمانه"
لأنه لا يسلم لفضل الله وكأنه يعترض على الله ويقول: لماذا خصه الله بهذا؟ وهذه نظرة إبليس:
{اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} الأنعام124
وقد يقول : لماذا لم آخذ أنا ولماذا لم تعطنى يا رب؟ لأنك جاهل وجاحد ، فاسلك الطريق الذي سلكه السابقون تجد الخير معك في كل وقت وحين هكذا طريق الله :
لا تقل إن وصولي بالعمل .. أو بقطع الوقت في طول الأمل
إن مولانا تنزه عن علـل .. إنـه الرب المنـزّه والكبيـر
إياك أن تظن أن هذه الأشياء هي التي توصل فهذه الأشياء بدون فضل الله كيف تفعلها؟
ليس الرقي إلى العليا بأعمال .. ولا الوصول بأحوال وأموال
لكنه منة من فضل واهبـه .. به تعد جميلاً بين أبـــدال