( 3 ) مدار الأفكار
فيصل الإسلام
يقول الشاعر العربي:
مليكٌ بدا فى الكون للناس رحمة = به كل مكسورٍ من الدهر يُجبرُ
مليكٌ يرى أن ليس فى الأرض مشتهى = سوى منع دين الله مما يُغيّرُ
* في الذكرى الـ 33 لرحيله نتذكر الرجل ونستذكر مواقفه في نصرة
الدين والعروبة وجمع شمل المسلمين والدفاع عن المسجد الأقصىّ!
في مدينة الرياض عام 1906 ولد فيصل بن عبدالعزيز، الابن الثالث في سلسلة أبناء الملك
عبدالعزيز آل سعود، وعاش في كنف والده - رحمهما الله جميعا - وتشرب منه صفات القيادة، وتعلم
فنون السياسة وأساليب التعامل بنجاح مع الناس والمواقف المختلفة، وقد أثر ذلك في سلوكه فعرف
بالحزم والحلم وحسن الإدارة، ما دفع بالملك عبدالعزيز إلى إسناد أدوار قيادية إليه في سن مبكرة، إذ
أرسله في زيارات رسمية إلى بريطانيا وفرنسا في نهاية الحرب العالمية الأولى وعمره 14 سنة،
وكذلك ترأس وفد المملكة إلى مؤتمر لندن عام 1939 وسان فرانسيسكو عام ....، وعين نائبا
للملك في الحجاز عام 1926، ورئيسا لمجلس الشورى عام 1927، ووزيرا للخارجية عام
1930، وجريا على عادة والده، اتبع الفيصل سياسة الباب المفتوح لمناقشة القضايا المختلفة، ولرد
المظالم.
وتميز بشخصيته الآسرة وقدرته المدهشة على التعامل مع أصعب المواقف بأسلوب عادل، جعله محببا
إلى أبناء بلده، وعرف دوليا بوصفه رجل دولة من الطراز الفريد، وكان - يرحمه الله - سياسيا ماهرا
وديبلوماسيا محنكا ورجلا مثقفا مطلعا وشاعرا ومحبا للشعر والأدب، كما أنه كان - وبالفطرة - إنسانا
عظيم التواضع والنبل والاستقامة وورعا ملتزما ومتمسكا بعقيدته.
وبعد قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، طلب فيصل من والده قطع العلاقات
الديبلوماسية مع الولايات المتحدة، لكن طلبه لم يُجَب.
وفي 2 نوفمبر 1964 بويع ملكا للمملكة العربية السعودية، وفي عهده تواصلت الانطلاقة التطويرية
شاملة مختلف نواحي الحياة، ولاسيما بعد أن تزايدت موارد البلاد المالية، وبات في الإمكان التوسع في
الخدمات العامة، ومع اعتزاز الملك فيصل بتراث وتقاليد بلاده، لكنه لم يكن يراهما عائقا أمام
الاستفادة من تقنيات العصر ومستجداته، وعزم على تحقيق التقدم الاقتصادي والارتفاع بالمستوى
الاجتماعي والانتقال بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة.
وفي مطلع عام 1973 عمل على تعزيز التسلح السعودي، كما تصدر الحملة الداعية إلى قطع النفط
العربي عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل، فهو صاحب المقولة المشهورة التي قرّع بها
هنري كيسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة خلال الفترة «1973-1977»، إذ قال: «نحن
كنا ولانزال بدوا، وكنا نعيش في الخيام، وغذاؤنا التمر، والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا
عليه، أما أنتم الغربيون، فهل تستطيعون أن تعيشوا من دون نفط؟»، وقد اكتسبت شخصية الملك
فيصل شهرة عالمية يشار إليها بالبنان، وكان مسموع الصوت في المحافل التي يحضرها، خصوصا
على المستويين العربي والإسلامي، وكان صاحب شخصية قيادية قوية فرض احترامه على الجميع
حتى الدول الكبرى كانت تحسب له ألف حساب، إذ كان صاحب موقف ثابت وواضح حيال القضية
الفلسطينية، وعرف عنه دفاعه المستميت عن الأراضي العربية المغتصبة، وبلغت مهابته حدا جعل
صحافة الغرب تقول عنه: «إن القوة التي يتمتع بها الملك فيصل تجعله يستطيع بحركة واحدة من
قبضة يده أن يشل الصناعة الأوروبية والأميركية، وليس هذا فقط، بل إنه يمكنه خلال دقائق أن يحطم
التوازن النقدي الأوروبي ويصيب الدولار والفرنك والمارك والجنيه بضربات لا قبل لها باحتمالها، كل
ذلك يمكن أن يفعله هذا الرجل النحيل، الجالس في تواضع على سجادة مفروشة فوق الرمل»، وسمّته
مجلة التايم الأميركية «رجل العام» لسنة 1974، وقد شهدت فترة حكمه هجمة شرسة من أعداء
الإسلام، الأمر الذي أعاده معه الملك فيصل طرح صيغة التضامن الإسلامي كقوة تجمع المسلمين،
وتقف في وجه أعدائهم، فوضع خدمة الإسلام والمسلمين في مقدمه اهتماماته، وأولوياته حتى ارتبطت
الدعوة للتضامن الإسلامي باسمه - يرحمه الله - لما بذله من جهد في سبيل توحيد كلمة المسلمين
حتى استشهاده قبل 33 عاما أي في 23 مارس 1975 - رحمه الله - وجزاه عن أمته خير
الجزاء .
لو غبت يا فيصل على مرّ الأزمان=ماتنسي ما دام به ناس حيين
يا متبع هدي الهدى صرت عنوان=للمرجلة والفخر يا ناصر الدين
84