(123 ) مدار الأفكار
الملك المؤسِّس
يقول الشاعر العربي:
عبد العزيز الذي ذلـت لسطوتـه= شوس الجبابر من عجم ومن عرب
ليث الليوث أخو الهيجاء مسعرهـا= السيد المنجب ابن السـادة النجـب
في التاسع من نوفمبر عام 1953م انتقل إلى رحمة الله تعالى المليك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن
الفيصل آل سعود- رحمه الله وطيب ثراه- ، بعد جهاد متواصل أرسى من خلاله الدعائم التي قامت عليها
الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية وبنى قواعد الانطلاق والتطور، وتعتبر قصة حياته وجهاده
وانتصاره ملحمة فريدة للجهاد في سبيل الله، فقد آلم الملك عبد العزيز - الذي استقر به المقام مع والده في
الكويت - ما آلت إليه الأمور في بلاده من تفرق وفوضى فعقد العزم على استعادة ملك آبائه وأجداده مهما
كانت التضحيات، وفي 15 يناير عام 1901م تمكن من فتح الرياض واستعادتها ثم انطلق منها يوحد أجزاء
بلاده الواحد بعد الآخر حتى تم له بعون الله وتوفيقه تأسيس المملكة العربية السعودية بعد جهاد استمر 31
عاما خاض خلالها المعارك تلو المعارك محققا الانتصارات المتوالية. وقد أدرك شعب الجزيرة سلامة منهجه
ونبل مقصده فالتف تحت قيادته الحكيمة وقاده من نصر إلى نصر حتى تحقق ما كان يتطلع إليه من وحدة
وأمن واستقرار وتآلف ومحبة. وكان يحدوه إيمان قوي بالله سبحانه وتعالى وعزيمة صلبة ومعرفة
باحتياجات وطموحات شعبه واستطاع التغلب على الصعاب وأرسى دعائم المملكة تحت راية “لا اله إلا الله
محمد رسول الله”. لقد كان الملك عبد العزيز قائدا عظيما، وفارسا مقداما، وسياسيا بارعا حليما متدينا، ذا
شخصية متعددة المواهب، فهو يتميز بقوة الإيمان، وصلابة الإرادة، والصبر والجلد على المكاره، والحكمة
والشجاعة،والمواهب القيادية الفطرية وكثير من المزايا الأخرى التي شكلت شخصيته التاريخية غير
العادية، والتي بوّأته مكانا متميزا بين رجالات العرب والمسلمين في العصر الحديث، وجعلت كثيرا من
الكتّاب، والباحثين والمؤرخين يضعون عنه عددا كبيرا من الكتب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية
والألمانية وغيرها من اللغات الأخرى، ومعظم أولئك المؤلفين كانوا ممن قابلوا الملك عبدالعزيز وعاشوا
معه أياما طويلة أو قصيرة حتى باتت قصة حياته أشبه بالأسطورة في زمن عزت فيه الأساطير وتبارى
أولئك المؤلفون في إطلاق التسميات والألقاب عليه مثل: “فهد الصحراء، سيد الجزيرة العربية، صقر
الصحراء”، وغيرها من الألقاب مما أعطاه مكانا ملحوظا بين صانعي أحداث التاريخ المعاصر، ولاسيما أن
دوره ومسؤولياته لم تقتصر على بلاده وحدها، بل كانت لها تأثيرات امتدت إلى معظم أرجاء العالم
الإسلامي، وفي السياسة الدولية بوجه عام. ويقول عنه السياسي البريطاني برسي كوكس: “أربعون عاما
ما خطا الملك عبدالعزيز خطوة غير صائبة”، أما حاكم كندا لورد أوف اثلود فقد قال عنه: “شهدت بنفسي
عندما زرت المملكة العربية السعودية، ماذا صنع الملك عبدالعزيز لرفاهية شعبه، لقد استقر بفضله السلام
والأمن في البلاد التي كانت من قبل تمزقها المنازعات الداخلية”. وفي عام 1930 قال عنه الكاتب
المشهور محمود أبوالفتوح: “ليس ابن سعود من أعظم رجال القرن العشرين فحسب، بل هو من أعظم
رجال التاريخ.. ولست أنا الذي أصدر هذا الحكم، وإنما أصدره إنجليزي عرف عبدالعزيز من زمان طويل،
وتتبع سيرته منذ كان فتى شريدا طريدا إلى أن أصبح الملك المطلق في جزيرة العرب”. وقال الرئيس
الأميركي فرانكلن روزفلت بعد اجتماعه مع الملك عبدالعزيز: “لقد وعيت مثلا عن مسألة الجزيرة العربية،
تلك المشكلة بحذافيرها، مشكلة المسلمين، ومشكلة اليهود، وعيت عنها في حديث دام خمس دقائق مع ابن
سعود أكثر مما كنت أستطيع معرفته بتبادل ثلاثين أو أربعين رسالة”. وعندما تمر ذكرى رحيل الملك
عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله وطيب ثراه – فإن أبناء المملكة العربية السعودية الذين ينعمون اليوم
بثمار غرسه ويتفيأون ظلال بنيانه يذكرون بإجلال وإكبار جهاد الراحل العظيم وسيرته العطرة الحافلة
بالانتصارات والإنجازات، يذكرون ذلك بالفخر والاعتزاز وقد تحقق من بعده على أيدي أبنائه الذين ساروا
على نهجه ما كان يطمح إلى تحقيقه لبلاده من رقي وتقدم وبناء ورخاء وازدهار.
مرحوم يا موجد كيان وحضاره= يا رافع ٍ شأن الوطن بالجزيره
رفعت شأن بلادنـا واعتبـاره=والله يتمم بالأمـان المسيـره