( 1 ) مدار الأفكار
تكّريس القبليّة
يقول الشاعر العربي :
أرى خلال الرماد وميض نار =وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تزكى= وإن الحرب مبدؤها كلام
عادت العصبية القبلية ولكن بقالب عصري ولم يعد الاختيار للشعر الأجمل والأفضل بل لشاعر القبيلة.. والقصائد الوطنية تقدم على استحياء
لم تعرف شبه الجزيرة العربية أي شكل من أشكال التوحد السياسي قبل ظهور الاسلام، كما لم يسدها نظام واحد من انظمة الحكم، فقد
مارس العرب النظام الملكي والمدني، والقبلي الذي ساد معظم انحاء جزيرة العرب، بسبب طبيعتها الصحراوية، وتجمع أبناء القبيلة الذي قام
على اساس «وحدة الدم والمصلحة المشتركة» وفي ظل هذه الرابطة نشأ قانون عرفي ينظم العلاقة بين الفرد والجماعة على اساس من
التضامن بينهما، وكانت القبيلة تتمسك بهذا القانون أشد التمسك في نظامها السياسي، وفي تكوينها الاجتماعي، وكانت مشيخة القبيلة
الركن السامي في نظامها، وتتألف من اصحاب الرأي والفرسان وشيوخ العشائر والوجهاء والعوارف والشعراء والخطباء، وقد سادت العصبية
القبلية متمثلة في وقوف الرجل الى جانب اقاربه ونصرتهم وفق شعار: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» وتتدرج العصبية في قوة التأثر بها
والاستجابة لندائها، وفق درجة القرابة حتى حالت هذه العصبية دون تكوين مجتمع واحد كبير، بل أوجدت مجتمعات صغيرة ومتناحرة.
وعندما أشرقت شمس الاسلام انتقل العرب من البداوة والفوضى والحروب الى النظام والحضارة والوئام، ومرت مئات من السنين بعد عهد
النبوة وحكم الخلفاء الراشدين، ظهرت فيها دول وزالت اخرى، وانتشرت البدع وأخذ الضلال يتسلل الى اجزاء كثيرة من شبه الجزيرة العربية لقلة
علماء الدين. وفي ضوء ذلك عادت القبلية والحروب من جديد، وانتشرت الغزوات والسلب والنهب وساد العداء بين ابناء القبائل حتى تم توحيد
أجزاء الجزيرة العربية بفضل الله، ثم جهاد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله وطيب ثراه - الذي جاهد ليقيم شريعة الله. ونتيجة لذلك ساد
الأمن والاستقرار وعم نور الاسلام وقضى على الغزو والحروب القبلية.ولكن ها هي العصبية القبلية تعود وتطل برأسها، وتندلع شرارتها الأولى
من خلال شاعر المليون والبرامج المشابهة، فالرسائل التي تعرضها الفضائيات، وقصائد الشعراء، والاعلانات المنتشرة في الشوارع،
ومسيرات القبائل احتفاء بشعرائها وحديث اعضاء لجان التحكيم عن ميولهم وانحيازهم للشعراء من ابناء قبائلهم، كل ذلك دليل على تكريس
القبلية وعودتها بقالب عصري، فلم يعد الاختيار للشعر الاجمل والافضل بل لشاعر القبيلة الذي يسرد ويتغنى بأمجاد وأفعال درست وابلاها
الدهر، أو انها لم تحصل إلا بخيال الشاعر الحالم بدعم ابناء عشيرته وقبيلته، حتى ان القصائد الوطنية اصبحت تقدم على استحياء ومما يذكر
بأن لجنة التحكيم في برنامج شاعر المليون في نسخته الأولى ذكرت بأنها لا تجيز المدح القبلي، الا انها اجازت مع كثير من الشعراء، أما في
النسخة الثانية من البرنامج فقد اصبح التصريح بالثناء القبلي ديدن الاغلبية حتى ذكر بعض اعضاء اللجنة بأن القبلية تعصف في رأسه كنوع
من التباهي بها والتأييد لها.
عاد التعنصر فـي حديـث القبايـل=وعمّ الدجل والزيف والقال والقيل
زاد المهايط والبرامج وسايل = وعسى الولي بالنور يجلي دجى الليل
عبدالعزيز الفدغوش
الثلاثاء, 11 - مارس - 2008