العدل يعتبر أحد أهم قواعد الحياة الاجتماعية التي لا انتظام
لها الا به ولا صلاح فيها الا معه وليس هناك أبلغ من مقولة «العدل أساس الملك» فكيف اذا كان أساس
تنظيم الحياة بمخلوقاتها. وقد يظهر مفهوم
العدالة مرتبطاً بمصطلحات تستخدم كعناوين بارزة مثل الحق
والحرية والمساواة الى غير ذلك من المفاهيم ذات الصلة، ما يفتح مجالاً واسعاً للتساؤل حول أهمية
العدالة وحضورها في المجتمع وأهمية ارتباطها بحقوق الانسان وبالأخلاق، ولقد جاءت آيات كثيرة في
القرآن الكريم تدل على المنزلة العظيمة للعدل، وتأمر به، وتحث عليه، وتدعو الى التمسك به، يقول
تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى»، وقال تعالى «وأقسطوا إن الله يحب
المقسطين».
ان جدية التعاطي مع سيادة القانون هي مسألة أساسية لتطبيق العدالة، بحيث يقف الجميع أمامه
ويخضعون لأحكامه، دون تفرقة أو تمييز بين فرد وآخر أو فئة وثانية، فالجميع يقف أمام مطرقة عدالة
واحدة ويظللهم سقف قانون واحد يطبق على الكبير والصغير، وعلى القوي والضعيف، فالعدل في
حقيقته تمكين صاحب الحق ليأخذ حقه، ويكون التجاوز فيه جوراً والتقصير فيه ظلماً، ويكون الظُّلم أكثر
بشاعة اذا كان القانون يطبق بالحق والعدل على الضُّعفاء أوالفقراء ويستثني أصحاب الهمم والنفوذ
وذوي المناصب والثّروة والواسطات باعتبار أنهم تحت الحصانة وبعيدون عن تطبيق القانون حتى اذا
انحرفوا، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب عليه السلام:« ظُلْمُ الضَّعِيف أَفْحَشُ الظُّلْمِ ».
من المفترض أن تمنح
العدالة كل ذي صاحب حق حقه دون المساس بحقوق الآخرين ووضع النظم
والضوابط التي تطبق على جميع الأشخاص ومن دون أي تفرقة، لذلك فان النفعية والمصالح الشخصية
أو تغليب مصلحة شخص ما أو جماعة ما تتعارض مع
العدالة وتجعلها فارغة من محتواها، بل ان هذا
الانحراف عن
العدالة يؤدي الى نتائج خطيرة كالجريمة والانحراف والفساد والاضطرابات الاجتماعية،
والى خراب العمران وخراب الأمم والدول.
ان القضاة الذين يحملون رسالة مهمة في اقامة العدل بين الناس هم من يجب أن يسهروا على تطبيق
القانون، فبسط العدل وسيادة القانون هما روح القضاء ولا تحيا هذه الروح الا بحيادية القاضي بحيث لا
ينظر لأي من الخصوم نظرة تميز الواحد عن الآخر، وكذلك بالعدالة فلا ينظر لقضية أحدهم بأكثر مما يرى
للآخر فيكون معصوب العينين لصالح الحق والعدل، وأيضاً باستقلال القضاء فلا يسمع القاضي الا
همسات صوت الضمير والحق ومنطق الوجدان، وقد قيل: عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة. ففي
أجواء العدل يكون الجميع في الحق سواء لا تمايز بينهم ولا تفاضل، بالعدل يشتد أزر الضعيف ويقوى
رجاؤه، ويهون أمر القوي وينقطع طمعه، وبالعدل يمنع الظالم عن ظلمه والطماع عن جشعه ويحمي
الحقوق والأملاك والأعراض.
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: (بالعدل تصلح الرعية)، وقال: (خير السياسات العدل). فاذا ساد
العدل حُفظت الحقوق، ونصر المظلوم وقل العنف وساد الأمان وانتظم شؤون الأفراد والمجتمعات،
واكتسب المجتمع المناعة الطبيعية ضد الفساد، وأصبح بيئة طاردة للفاسدين... والكسالى أيضاً! انه
أقصر الطرق لتحقيق الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي.
الاصلاح الحقيقي للعدالة يبدأ من وجود ارادة سياسية حقيقية وراء هذا الاصلاح، تجعل الفرد يشعر بأنه
يعيش في مجتمع الحق والقانون، حيث لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها، والجميع يتساوى
أمام القانون، فهل يوجد هناك فعلا مجتمع يتصف بالعدالة أم انها مجرد أوهام وأحلام يصعب تحقيقها
أو الوصول اليها الا عبر الالتحاق بركب من يستهوي مقولة «عليك أن تعرف من أين تؤكل الكتف؟».