التعـلم في الطبيعـة العذراء ؟فكرة!
من طرق التعليم المبتكرة شيء يُطبَّق في ألمانيا اسمه «حضانة الغابة»، وتعني هذه الفكرة أن أطفال الحضانة والمرحلة التمهيدية بدلاً من أن يوضعوا في غُرف وأبنية فإنهم يقضون وقتهم في الخارج، في الغابات والطبيعة، ليس دقائق معدودة بل كل يومهم، حتى لو كان الطقس ممطراً، كل الأسبوع وكل السنة هكذا.
أعجبني في هذه الفكرة كون الطفل في بيئة طبيعية، والتي هي أنسب وأصح البيئات للكائنات، فحياتنا المعاصرة التي نعيشها بين الحيطان والسقوف شيء دخيل علينا وعَزَلَنا بشكل شبه كامل عن الطبيعة، ورغم أن هذا العزل قد يكون قسرياً عند البعض (مثلنا وأجواؤنا الملتهبة!) إلا أن الكثير من المناطق الأخرى ذات الطبيعة الطيبة قد عزلت نفسها في حياة المكاتب والغُرف، وهذا ما يحرم الناس والصغار خاصة من هذا الشيء الهام ومن الانغماس في الطبيعة، فهذه الحضانة تحث الأطفال على الاستكشاف ودور المسؤولين المساعدة فحسب وليس للقيادة، ومن لطائف هذا الأمر أنهم يعطون الأطفال ألعاباً لكن فقط إذا كانت مصنوعة من أشياء يمكن صنعها من مواد طبيعية كالخشب، فلن تجدهم يلعبون بألعاب بلاستيكية مثلاً، وأما ما يفعلونه في غالب وقتهم فإن الحضانة قامت بتجزيء وقتهم إلى عدة أنشطة والهدف الأساسي هو نفس هدف الحضانات في العموم، وهو العناية بالصغار وتحفيزهم وتعليمهم، وليست هذه الحضانات مُوحَّدة بل كل منها مستقل فيكون هناك اختلافات في أساليبها عموماً ولكن تتشارك في عناصر كثيرة، منها: عدّ الأشياء -كالشجر- وهذه لتعليم الرياضيات، واختراق الغابة، وهذه للرياضة وتقوية الجسد ويتعلم منها الطفل الاستعداد والتخطيط عندما يختار الطرق المناسبة، وهناك حصص فنية لرسم الطبيعة كالحيوانات والنباتات وتهدف إلى تطوير الجانب الفني لدى الطفل، وهناك تسلق الأشجار وهذه أيضاً للرياضة بالإضافة للتحمل والتوازن، ولديهم حصص لسماع القصص والأناشيد وهذه لتعليم التركيز وتنمية المشاعر، ومن الأهداف أيضاً بناء ملاجئ صغيرة باستخدام الأغصان وهنا يتعاون الأطفال مع بعضهم إضافة للكبار وهذا النشاط يُقصَد منه تعليم الأطفال على عدة مهارات أولها تحديد الهدف ويتلوها التخطيط والهندسة والتعاون والصبر، وإذا أرادوا زرع مبادئ التأمل والوعي بالنفس حثّوا الأطفال أن يتفرقوا وأن يستكشف كل منهم المناطق المجاورة لوحده.
أليس هذا شيئاً لطيفاً رائعاً؟ ولا تقلقوا من الطقس فهذه الحضانات تجاور ملاجئ صغيرة تحمي من الأجواء الشديدة، فإذا انخفضت الحرارة عن عشر درجات مئوية تحت الصفر لاذوا بالملجأ وكذلك إذا اشتدّت العواصف. من منافع حضانة الغابة أشياء قد لا تخطر على البال بديهياً، منها أنها أقل ضغطاً، لأن المدارس مليئة بالضوضاء خاصة مع الغرف المغلقة التي تُضخّم حجم الإزعاج، والضوضاء لها أثر ضار على الإنسان وتسبب الضغط النفسي، إضافة إلى أنها تعيق عملية التعلم إذا اشتدت واستمرت. ووجدت دراسة علمية أُجرِيَت على أطفال المدينة أن مجرد تعريضهم للمناظر الطبيعية ساهم في تحسين الثقة والإرادة وضبط النفس لدى الفتيات بالذات، وهي أشياء إذا فُقِدَت فإنها تسبب الكثير من المشاكل للفرد والمجتمع كضعف التحصيل الدراسي وتعاطي المواد الضارة وغيرها.
فكرة رائعة لمن يستطيع تطبيقها! تحوي ألمانيا الآن قرابة 450 حضانة غابة، وبدأت حضانات الغابات تنتشر في دول أوروبية أخرى مثل اسكتلندا بعد أن رأوا نجاحها في ألمانيا. لو كان جوّنا يسمح فهل ترون أنها فكرة تعجبكم؟
الكـاتب : إبراهيم العمـار