( 120 ) مدار الأفكار
شعراء الأضواء
يقول الشاعر العربي :
الشِّعـر يلهج بالحقيقـة واقعـاً = مُـرَّاً وحلـواً بالمعـاني فائض
الشِّعـر ديــوانُ الحياة ورسْمُها = يحكي صداها بالمعـاني نـابِضُ
يعد الشِّعر رأسُ الآداب و ُفنُّ العربية الأول ,وأكثر فنون القول هيمنة، فهو ديوانُ العرَب ,و سجلُّ الأمجاد
والمفاخر,وخزانة التراث والمآثر,وسفر التاريخ والأنساب ,وعنوان البلاغة وقاموس اللغة والآداب,
وروايته وتعاطيه شأن النُّخبة من الأذكياء والعلماء ، وتعلُّمه وإتقانُه والاستشهاد به شرطٌ أوَّليٌ لطلب العلوم
الأخرى من فقْه وتفسير وحديث ونحو وبلاغة, و قد حثَّت الشريعة الإسلامية على قول الشعر وإنشاده في
نصرة الحق وأهله, وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة)
, ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( خير صناعات العرب أبيات يقدِّمها الرجلُ بين
يدَي حاجته,يستميل بها الكريم ويستعطف بها اللئيم) ,ولا يخفى على ذوي البصر أن أشعار العرب هي
مجامعُ الاحتجاجات بفصاحة الكلام ودلالته وحسْن تركيبه , ويقول ابن عباس : (إذا قرأتم شيئاً من كتاب
الله فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب ,و إذا أعْيَتْكُم العربيةُ في القرآن فالتمسوها في الشعر فإنه ديوان
العرب ) , ويقول ابن سيرين: (الشعر كلام عُقِدَ بالقوافي فما حسُن في الكلام حسُن في الشعر وكذلك ما
قبُحَ منه ) , وقيل لسعيد بن المسيب : إن قوماً بالعراق يكرهون الشعر فقال : (نسَكوا نُسُكاً أعجمياً ) ,
,فالشِّعر وثيقة يمكن الاعتماد عليها في التعرُّف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم دون إخراجه
من دائرة الفن إلى دائرة أخرى ,ويقول ابن سلام في طبقات فحول الشعراء : ( كان الشعر في الجاهلية
ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون) , وفي عيون الأخبار يقول ابن قتيبة : (الشعر
معدن علم العرب، وسفر حكمتها، وديوان أخبارها، ومستودع أيامها) , وفي كتاب الصناعتين يقول
العسكري : (الشعر ديوان العرب، وخزانة حكمتها، ومستنبط آدابها، ومستودع علومها) ,و يكمن تأثير
الشعر في قوة نفوذه في جميع المستويات ,وعلى كافة الأصْعِدة في المجتمعات,إذ أنه يخاطَب به الفردُ
والقبيلة , والرجلُ والمرأة ،والعالم والجاهل , والكبير والصغير ، والقوي والضعيف ،والغني والفقير
،والكريم والبخيل،والقريب والبعيد ,وله تأثير في القِيَم والمبادئ والسلوكيات ، وفي الأخلاق والأفكار
والتوجُّهات, ولدى الأُمم والشعوب والحضارات ، ويشحْذِ الهمم والمدارك والتطلُّعات ، وتتجلى أهمية
الشعر في صقْل المواهب وتنمية القدُرات, وقد فطِن السلفُ لذلك فأَوْلَوْه الرعاية والتشجيع ,فجاء في
كتاب العمدة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب لأبي موسى الأشعري : ( مُرْ من قِبَلَك بتعلُّم
الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق ، وصواب الرأي ، ومعرفة الأنساب ) ,ويقول معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه : ( يجب على الرجل تأديبُ ولده , والشعر أعلى مراتب الأدب) ,ويقول الزبير بن بكار :
سمعت العمريَّ يقول : ( رووا أولادكم الشعر , فإنه يحل عقدة اللسان ، ويشجِّع قلبَ الجبان ، ويُطلق يدَ
البخيل ، ويحضُّ على الخلق الجميل ), وفي الوقت الحاضر يحظى الشعر, والشعبي منه على وجه
الخصوص باهتمام كبير في مجلس التعاون لدول الخليج العربية, ومما يؤسف له أن الأضواء أصبحت في
الغالب الأعم تمنح للأدعياء ومحترفي فن تسويق الذات على حساب جودة وأصالة الشعر ولكن يكمن
العزاء في أن الإنسان الفاهم الواعي يدرك أن الشهرة وتسليط الأضواء لا تعني بحال من الأحوال الجودة
والتميز , والتمكن والاقتدار وذلك في كل مجالات الحياة ومنها الشعر والفن فأغنية ( صبوحة خطبها نصيب)
و ( أنا بأكره إسرائيل ) و( البامبو السوداني) من أكثر الأغاني شهرة في الوطن العربي إن لم تتجاوز
خارطته إلى المنفذ العالمي بالرغم من ضعف الكلمات ورداءة اللحن وسوء الأداء وعلى هذا القياس نجد إن
بعض أدعياء الشعر ركبوا الموجة ودخلوا ساحته قسرا ارتكازا على عوامل المحاباة والمجاملة وتبادل
المصالح بالرغم من فشل هذه الفئة بالتميز والعطاء إلا إنها تحظى بالأضواء وتتمتع بشهرة واسعة في طول
الخليج وعرضه وهذه الشهرة مستمدة من حركاتهم التمثيلية وتصنعهم الحماس أثناء الأداء وتعالي صراخ
البعض أو التغنج والابتعاد عن الرجولة والرزانة ومنهم من ينافس أشهر الراقصات بحركاته التمثيلية
المضحكة فتجدهم أضحوكة الجمهور مما يفقد الشعر جوه الحماسي أو العاطفي ويتحول الشعر مع هذه الفئة
المشهورة بالتمثيل من مرآة لآمال وآلام المجتمع إلى تهريج وخواء فكري .
يا كاتب التاريخ سجّل للأجيال =وأنظر لشعر (عوير) و(صوير) بالحيل
ما عاد به تجسيد عن واقع الحال= وقـيل ٍ بليا أهداف ماله محاصـيل
خالي من المضمون وآيات الأمثال= ما غير تهريج ٍ و صوت ٍ و تمثيل