( 118 ) مدار الأفكار
شرور السفور
يقول الشاعر العربي :
منع السفور كتابنا ونبينا= فاستنطقي الآثار والآيات
صوني جمالك بالبراقع إنّها= ستر الحسان ومظهر الحسنات
إن نعمة الله على المرأة المسلمة عظيمة,ومنته عليها كبيرة جسيمة ,حيث هيّأ لها في الإسلام أسباب
سعادتها ,وصيانة فضيلتها وحراسة عفتها, ودرء المفاسد والشرور عنها وتثبيت كرامتها , لتبقى زكية
النفس,طاهرة الخلق منيعة الجانب مصونة عن كل موارد التهتك والابتذال ,محمية عن أسباب الزيغ
والانحراف والانحلال , فلقد أكرمها الإسلام أعظم إكرام ,وصانها عن العيون ونظرات واللئام ,وتكفل لها
بحياة كريمة , شعارها الستر والنقاء , ودثارها العفاف والحياء , ورايتها إشاعة الأدب وتثبيت الأخلاق
,وغايتها صيانة الشرف وحماية الفضيلة ,ونبذ مواطن الفساد والرذيلة , وستبقى المرأة المسلمة عزيزة
الجانب ,رفيعة المنال ,ما دامت متمسكة بدينها ,محافظة على أوامر ربها ,مطيعة لنبيّها مسلمة وجهها لله ,
مذعنة لشرعه وحكمه ,فتنال بذلك السعادة والراحة في دنيا العناء ,والثواب والأجر في دار القرار و البقاء
,ومن المؤلم والمؤسف أن المرأة المسلمة تتعرض لهجمات شرسة ومؤامرات حاقدة ومخططات آثمة
تستهدف الإطاحة بعفتها ودك كرامتها ,وخلخلة دينها وإيمانها ووأد فضيلتها ,وبين فترة وأخرى يتجدد جدل
دعاة السفور , وأرباب التضليل والفجور ,استنادا إلى أحاديث ضعيفة, والإدعاء بأن الشريعة الإسلامية لا
تأمر المرأة بتغطية الوجه والكفين عند الرجال الأجانب ويعد ذلك القول فتنة ظاهرة وخطرا عظيما على
مجتمعات الأمة الإسلامية و كما يقول الشيخ زيد المدخلي : ( إن كشف المرأة وجهها وكفيها أمام الرجال
الأجانب حرام لا يجوز لأدلة صريحة صحيحة نقلية وعقلية وعرفية ) , وذكر العديد منها في رسالته القيمة
الموسومة ( وجوب ستر الوجه والكفين ) ,ومن تلك الأدلة قول الله عز وجل: ( ولا يبدين زينتهنّ إلا ما
ظهر منها )( النور:31) أي مما لا يمكن إخفاؤه من الثياب الظاهرة من جلباب ومقنعة ونحوهما أو
ما ظهر بدون قصد بل بسبب أمر غير اختياري كهبوب الرياح أو حمل المتاع ونحوهما مما يعفي عن
المرأة إذا انكشف وجهها وكفاها بسببه,وقوله تعالى: ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين
يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين )( الأحزاب : 59 ) ,و في معنى الآية قال ابن
الجوزي أي يغطين رؤوسهن ووجوههن ليعلم أنهن حرائر , والمراد بالجلابيب الأردية ,ويقول أبو حيان
في البحر المحيط , قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن ) شامل لجميع أجسادهن و المراد بقوله
( عليهن ) أي وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه ,وقال أبو السعود الجلباب ثوب
أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها ,أي يغطين به
وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي ,وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( المرأة عورة ) وهو دليل صريح على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق
الرجال الأجانب ووجهها وكفيها أولى بالستر لأنها محل الرغبة من الرجال ومحل الفتنة من النساء وقد فقه
الإمام أحمد بن حبل رحمه الله مدلول حديث ابن مسعود فقال ( ظفر المرأة عورة ) , أما حديث كشف
(الوجه والكفين ) الذي يستدل به كثير من دعاة التغريب والسفور فقد ضعفه جمع من العلماء وحتى يتضح
موضع الضعف يحسن أن نذكر سند الحديث فقد روى أبو داود في سننه قال: حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي
ومؤمل بن الفضل الحراني، قالا: حدثنا الوليد عن سعيد عن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك، عن عائشة –
رضي الله عنها -، أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليها ثياب رقاق
فأعرض عنها وقال: ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى
( وجهه وكفيه) , قال أبو داود: هو مرسل وكذا قال أبو حاتم الرازي, وعندما سئل العلامة عبد العزيز بن
باز- رحمه الله - عن ذلك الحديث قال : (هذا الحديث ضعيف جداً، ولا تقوم به حجة للعلة المذكورة، وهي
الانقطاع بين خالد وعائشة، وهو مراد أبي داود وأبي حاتم بقولهما مرسل، ولضعف سعيد بن بشير، وتدليس
قتادة وقد عنعن وبذلك يتضح أن هذا الحديث بهذا الإسناد في غاية الضعف والسقوط؛ لهذه العلل الثلاث، ولو
صحّ لكان محمولاً على ما كانت عليه الحال، قبل نزول آية الحجاب، وهناك علة خامسة وهي نكارة متنه فإنه
لا يظن بأسماء - رضي الله عنها - مع تقواها وإيمانها أن تدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم – في
ثياب رقاق ولا تستر عورتها), لذا فأنه لا محيص للمرأة المسلمة من استعمال اللباس الشرعي الذي
أساسياته النقاب على الوجه إلا العين والقفازان للكفين أو ما يقوم مقامهما ويؤدي وظيفتهما وذلك عند
الاختلاط بالأجانب لاسيما في هذا الزمان الذي قل فيه الأخيار وكثر فيه الأشرار,ومن دعا إلى كشف وجه
المرأة وكفيها أمام الأجانب متذرعا بما لا يسوغ ذلك شرعا فإنه لا يبحث عن كشفهما فقط، لكنه يريد
العراء الكامل والفساد العريض، يريد أن تخرج المرأة متفسخة لا تتقيد بقيد من قيود الشرع، فهو يبدأ
بالوجه والكفين لأن هذا هو معيار الحياء، فإذا كشفت المرأة وجهها سهل عليها بعد ذلك أن تكشف بقية
الجسد؛ لأن الحياء قد تمزق، ولأن الجمال أصبح مكشوفاً أمام الناس، ومن سن سنة سيئة يحمل وزرها ووزر
من عمل بها ومن تاب إلى الله وأناب تاب الله عليه ويبدل سيئاته حسنات , ولأن الحق أحق أن يتبع فقد
تراجع شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي عن أفكاره المناهضة للنقاب، مؤكدا احترامه الشديد للنساء المنقبات
وأنه ليس ضد النقاب بأي حال من الأحوال، وللمرأة أن ترتديه (سواء كانت حلوة أو وحشة( , وكما يقال
(رجوع بالحق ولا تماد بالباطل ) .
يا دعاة الغي وشرور السفور = شركم شر ٍ عظيم ٍ مستطير
ضيعت دعواتكم حور الخدور = والدعاوي منّكم غرّت غرير
كل داعي شرّ يقمح ومعثور = والشريعة فيض نور وديم خير
عبد العزيز الفدغوش
الأحد, 18- أكتوبر - 2009